محمود بن سبكتكين، وكان من الدهاقين، فأشغل ولده هذا، فقرأ القرآن وله إحدى عشرة سنة.
وأشغله بالعلم والقراءات والتفقه على مذهب الشافعي، وسماع الحديث واللغة والنحو، وكان عالي الهمة، فحصل من ذلك طرفا صالحا، ثم ترقى في المراتب حتى وزر للسلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ثم من بعده لملكشاه تسعا وعشرين سنة، لم ينكب في شئ منها، وبنى المدارس النظامية ببغداد ونيسابور وغيرهما، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والعلماء، بحيث يقضي معهم غالب نهاره، فقيل له: إن هؤلاء شغلوك عن كثير من المصالح، فقال: هؤلاء جمال الدنيا والآخرة، ولو أجلستهم على رأسي لما استكثرت ذلك، وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني قام لهما وأجلسهما معه في المقعد، فإذا دخل أبو علي الفارمدي (1) قام وأجلسه مكانه، وجلس بين يديه، فعوتب في ذلك فقال: إنهما إذا دخلا علي قال: أنت وأنت، يطروني ويعظموني، ويقولوا في ما ليس في، فأزداد بهما ما هو مركوز في نفس البشر، وإذا دخل علي أبو علي الفارندي (1) ذكرني عيوبي وظلمي، فانكسر فأرجع عن كثير من الذي أنا فيه. وكان محافظا على الصلوات في أوقاتها، لا يشغله بعد الاذان شغل عنها وكان يواظب على صيام الاثنين والخميس، وله الأوقاف الدارة، والصدقات البارة.
وكان يعظم الصوفية تعظيما زائدا، فعوتب في ذلك، فقال: بينما أنا أخدم بعض الملوك جاءني يوما إنسان فقال لي: إلى متى أنت تخدم من تأكله الكلاب غدا؟ أخدم من تنفعك خدمته، ولا تخدم من تأكله الكلاب غدا. فلم أفهم ما يقول، فاتفق أن ذلك الأمير سكر تلك الليلة فخرج في أثناء الليل وهو ثمل، وكانت له كلاب تفترس الغرباء بالليل، فلم تعرفه فمزقته، فأصبح وقد أكلته الكلاب، قال: فأنا أطلب مثل ذلك الشيخ. وقد سمع الحديث في أماكن شتى ببغداد وغيرها، وكان يقول: إني لاعلم بأني لست أهلا للرواية ولكني أحب أن أربط في قطار نقلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أيضا: رأيت ليلة في المنام إبليس فقلت له: ويحك خلقك الله وأمرك بالسجود له مشافهة فأبيت، وأنا لم يأمرني بالسجود له مشافهة وأنا أسجد له في كل يوم مرات، وأنشأ يقول:
من لم يكن للوصال أهلا * فكل إحسانه ذنوب وقد أجلسه المقتدي مرة بين يديه وقال له: يا حسن، رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك، وقد ملك ألوفا من الترك، وكان له بنون كثيرة، وزر منهم خمسة، وزر ابنه أحمد للسلطان محمد بن ملك شاه، ولأمير المؤمنين المسترشد بالله (2).