وجدد خاناتها وأسواقها ودورها، وأمر بتجديد الجامع الذي تم على يد هارون الخادم، في سنة أربع وعشرين وخمسمائة، ووقف على نصب قبلته بنفسه، ومنجمه إبراهيم حاضر، ونقلت أخشاب جامع سامرا، وشرع نظام الملك في بناء دار له هائلة، وكذلك تاج الملوك أبو الغنائم، شرع في بناء دار هائلة أيضا، واستوطنوا بغداد. وفي جمادى الأولى وقع حريق عظيم ببغداد في أماكن شتى، فما طفئ حتى هلك للناس شئ كثير، فما عمروا بقدر ما حرق وما غرموا. وفي ربيع الأول خرج السلطان إلى أصبهان، وفي صحبته ولد الخليفة أبو الفضل جعفر، ثم عاد إلى بغداد في رمضان، فبينما هو في الطريق (1) يوم عاشوراء عدا صبي من الديلم على الوزير نظام الملك، بعد أن أفطر، فضربه بسكين فقضى عليه بعد ساعة (2)، وأخذ الصبي الديلمي فقتل، وقد كان من كبار الوزراء وخيار الامراء وسنذكر شيئا من سيرته عند ذكر ترجمته، وقدم السلطان بغداد في رمضان بنية غير صالحة، فلقاه الله في نفسه ما تمناه لأعدائه، وذلك أنه لما استقر ركابه ببغداد، وجاء الناس للسلام عليه، والتهنئة بقدومه، وأرسل إليه الخليفة يهنئه، فأرسل إلى الخليفة يقول له: لا بد أن تنزل لي عن بغداد، وتتحول إلى أي البلاد شئت. فأرسل إليه الخليفة يستنظره شهرا، فرد عليه: ولا ساعة واحدة، فأرسل إليه يتوسل في إنظاره عشرة أيام، فأجاب إلى ذلك بعد تمنع شديد، فما استتم الاجل حتى خرج السلطان يوم عيد الفطر إلى الصيد فأصابته حمى شديدة، فافتصد فما قام منها حتى مات قبل العشرة أيام ولله الحمد والمنة (3). فاستحوذت زوجته زبيدة (4) خاتون على الجيش، وضبطت الأموال والأحوال جيدا، وأرسلت إلى الخليفة تسأل منه أن يكون ولدها محمود ملكا بعد أبيه، وأن يخطب له على المنابر، فأجابها إلى ذلك، وأرسل إليه بالخلع، وبعث يعزيها ويهنئها مع وزيره عميد الدولة بن جهير، وكان عمر الملك محمود هذا يومئذ خمس سنين (5)، ثم أخذته والدته في الجيوش وسارت به نحو أصبهان ليتوطد له الملك، فدخلوها وتم لهم مرادهم، وخطب لهذا الغلام في البلدان حتى في الحرمين، واستوزر له تاج الملك أبا الغنائم المرزبان بن خسرو، وأرسلت أمه إلى الخليفة تسأله أن تكون ولايات العمال إليه، فامتنع الخليفة ووافقه الغزالي على ذلك، وأفتى العلماء بجواز ذلك، منهم المتطبب بن محمد الحنفي، فلم يعمل إلا بقول الغزالي، وانحاز أكثر جيش السلطان إلى ابنه الآخر بركيارق فبايعوه وخطبوا له بالري، وانفردت الخاتون وولدها ومعهم شرذة
(١٧١)