الذمة بلبس الغيار وبشد الزنار، وكذاك نساؤهم في الحمامات وغيرها. وفي جمادى الأولى قدم الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي من أصبهان إلى بغداد على تدريس النظامية، ولقبه نظام الملك زين الدين شرف الأئمة. قال ابن الجوزي: وكان كلامه مقبولا، وذكاؤه شديدا. وفي رمضان منها عزل الوزير أبو شجاع عن وزارة الخلافة فأنشد عند عزله:
تولاها وليس له عدو * وفارقها وليس له صديق ثم جاءه كتاب نظام الملك بأن يخرج من بغداد، فخرج منها إلى عدة أماكن، فلم تطب له، فعزم على الحج، ثم طابت نفس النظام عليه فبعث إليه يسأله أن يكون عديله في ذلك، وناب ابن الموصلايا في الوزارة، وقد كان أسلم قبل هذه المباشرة في أول هذه السنة. وفي رمضان منها دخل السلطان ملكشاه بغداد ومعه الوزير نظام الملك، وقد خرج لتلقيه قاضي القضاة أبو بكر الشاشي، وابن الموصلايا المسلماني، وجاءت ملوك الأطراف إليه للسلام عليه، منهم أخوه تاج الدولة تتش صاحب دمشق، وإتابكه قسيم الدولة اقسنقر صاحب حلب. وفي ذي القعدة خرج السلطان ملكشاه وابنه وابن ابنته من الخليفة في خلق كثير من الكوفة. وفيها استوزر أبو منصور بن جهير وهي النوبة الثانية لوزارته للمقتدي، وخلع عليه، وركب إليه نظام الملك فهنأه في داره بباب العامة، وفي ذي الحجة عمل السلطان الميلاد في دجلة، وأشعلت نيران عظيمة، وأوقدت شموع كثيرة، وجمعت المطربات في السمريات، وكانت ليلة مشهودة عجيبة جدا، وقد نظم فيها الشعراء الشعر، فلما أصبح النهار من هذه الليلة جئ بالخبيث المنجم الذي حرق البصرة وادعى أنه المهدي، محمولا على جمل ببغداد وجعل يسب الناس والناس يلعنونه، وعلى رأسه طرطورة بودع، والدرة تأخذه من كل جانب، فطافوا به بغداد ثم صلب بعد ذلك. وفيها أمر السلطان ملكشاه جلال الدولة بعمارة جامعه المنسوب إليه بظاهر السور. وفي هذه السنة ملك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بعد صاحب بلاد المغرب كثيرا من بلاد الأندلس، وأسر صاحبها المعتمد بن عباد وسجنه وأهله، وقد كان المعتمد هذا موصوفا بالكرم والأدب والحلم، حسن السيرة والعشرة والاحسان إلى الرعية، والرفق بهم، فحزن الناس عليه، وقال في مصابه الشعراء فأكثروا. وفيها ملكت الفرنج مدينة صقلية من بلاد المغرب، ومات ملكهم فقام ولده مقامه فسار في الناس سيرة ملوك المسلمين، حتى كأنه منهم، لما ظهر منه من الاحسان إلى المسلمين. وفيها كانت زلازل كثيرة بالشام وغيرها، فهدمت بنيانا كثيرا، من جملة ذلك تسعون برجا من سور إنطاكية، وهلك تحت الهدم خلق كثير. وحج بالناس خمارتكين.
وممن توفي فيها من الأعيان...