أفعال العقلاء، فما أعرف ماذا يعتريه في مثل الوضوء.
ومن هنا كان التحقيق أن النية عبارة عن الداعي الذي يحصل للنفس بسببه انبعاث وميل إلى الفعل، فإن المكلف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلا وهو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقا وعالم بكيفيته وكميته وكان الغرض الحامل على الاتيان به إنما هو الامتثال لأمر الله ثم قام من مكانه وسارع ثم توجه إلى المسجد ووقف في مصلاه مستقبل القبلة فأذن وأقام ثم كبر واستمر في صلاته فإن صلاته صحيحة شرعية مشتملة على النية والقربة، فظهر بذلك أنه لا تنحصر النية في الصورة المخطرة بالبال. لا يقال: إن الأخطار أشد في حصول الاخلاص، لأنا نقول: إنه ينبغي القطع في عدم مدخلية ذلك فيه، ألا ترى أنه إذا غلب على قلب المدرس أو المصلي حب الشهرة والسمعة وميل القلوب إليه لكونه صاحب فضيلة أو ملازم عبادة وكان ذلك هو الحامل له على تدريسه وعبادته فإنه لا يتمكن من نية القربة والاخلاص فيها وإن قال بلسانه وتصور بجنانه أصلي أو أدرس قربة إلى الله كما هو واضح، وحاصل الفرق بين القول بالأخطار والداعي إما بأن يقال:
إن الأول يؤول إلى إيجاب العلم بالحضور وقت الفعل بخلاف الثاني، فإنه يكتفى بالحضور من دون علم والتفات للذهن، وما عساه يظهر من بعضهم - من أنه بناء على الداعي يكتفى بوجوده وإن غاب عن الذهن حال الفعل، ولذا لم يفرقوا بين الابتداء والاستدامة - مما لا ينبغي الالتفات إليه ويقطع بفساده، وكيف يعد مثل هذا الفعل في العرف بمجرد هذا العزم السابق منويا ومقصودا أو يقال في الفرق بينهما: إن المراد بالداعي إنما هو العلة الغائية للفعل الباعثة للمكلف على إيجاده في الخارج، وهو ليس من النية في شئ، بناء على ما ذكرنا أنها مجرد القصد والإرادة، وإطلاق لفظ النية عليه في لسان بعضهم إنما هو بحسب الاصطلاح المتأخر، فنقول حينئذ يكتفى بقيام الداعي في المكلف لكن لا بد من حصول الإرادة للفعل حين التعقل وإن غفل عن الداعي له في ذلك الوقت لكن