لكن لما كان لا يكفي في صحة العبادة وجود النية بالمعنى المتقدم، بل لا بد من ملاحظة القربة منها وحصول الاخلاص، وهو في غاية الصعوبة، بل هو الجهاد الأكبر للنفس الأمارة بالسوء، كما لا يخفى على من لاحظ الأخبار (1) الواردة في الرياء والحذر عنه، وأنه أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة، وكانت القربة في حال الاخلاص من متعلقات النية، إذ يجب عليه قصد الفعل امتثالا لله خاصة صعب أمر النية من هذه الجهة، وصح اشتراطها في العبادات دون المعاملات، وبحث عنها المتأخرون. بل لعل المتقدمين بذكرهم في أوائل كتبهم اشتراط الاخلاص في العبادة والتحذير من الرياء ونحوه اكتفوا عن ذكر النية بمعنى القصد، لعدم إمكان حصول الاخلاص بدونه، وبما ذكرنا ظهر لك مراد من جعل أمر النية في غاية السهولة، وكذا من جعلها في غاية الصعوبة، لاختلاف الحيثيتين، إلا أنه ربما ظهر من بعض عبارات بعض الأصحاب صعوبة أخرى للنية من غير تلك الحيثية، وذلك لأنه جعلها عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصور الفكري، فلا يكتفى بدون الاخطار بالبال للقصد مع ما يعتبر معه من القربة والوجه وغيرهما مقارنا لأول العمل، فبسببه يحصل بعض أحوال لهم تشبه أحوال المجانين، وليت شعري أليست النية في الوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات كغيرها من سائر أفعال المكلفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم، فإن كل عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذا الأفعال إلا مع قصد ونية سابقة عليه ناشئة من تصور ما يترتب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الحاملة على ذلك الفعل، بل هو أمر طبيعي وخلق جبلي، ومع هذا لا ترى المكلف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يعتريه شئ من تلك الوسوسة وذلك الاشكال، بل هو بالنسبة إلى العبادات الأخر من الزيارات والصدقات وعيادة المرضى وقضاء الحوائج والأدعية والأذكار وقراءة القرآن ونحو ذلك لا يعتريه شئ من تلك الأحوال، بل هو فيها على حسب سائر
(٧٩)