وربما حمل نفي البأس فيها على خفة الكراهة دون الراكد، وكأن منشأه أنه مجرد جمع بين الأخبار، وإن الكراهة مما يتسامح فيها، وإلا فلا شاهد على ذلك، ولا ينتقل إليه من اللفظ، وربما احتمل حمل نفي البأس فيها على عدم حصول النجاسة أو الاستقذار وهو كسابقه، على أن خبر الفضيل ظاهر في خلاف ذلك، بل الذي يؤدى به هذا المعنى عدم البأس عن الماء لا عن البول في الماء، فلذا نقل عن بعض القدماء أنه قال: لا بأس به في الجاري، وعن الهداية والمقنعة أنه لا يجوز في الراكد، ولعل مرادهما شدة الكراهة، لقصور الأخبار عن إفادة التحريم، مع اشتمال الصحيح على لفظ الكراهة، وإشعار التعليل (1) الوارد في جملة منها بأن للماء أهلا به، فإن فعل فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، وإن منه (2) يكون ذهاب العقل، وعن الفقيه أنه قال: وروي (3) " أنه يورث النسيان " وعن شرح الإرشاد " أنه يورث الحصر " وكالتعليل الأول ورد (4) في النهي عن البول في الجاري أيضا، فيمكن أن يقال إن المنفي عنه البأس من الجاري السائل، والمنهي عنه الجاري الراكد أي ماله مادة وإن كان بعيدا جدا، وعن النهاية أنه بالليل أشد لما قيل من أن الماء بالليل للجن، فلا يبال فيه ولا يغتسل، حذرا من إصابة آفة، انتهى. وقد عرفت أن الأخبار دلت على أن له أهلا مطلقا، وكذا مخافة إصابة الآفة، وأنت خبير أن ظواهر الأخبار اختصاص الحكم بالبول، ومن هنا اقتصر عليه المصنف كالعلامة، وعن الأكثر إلحاق الغائط، ولعله للتعليل، قيل ولأنه أولى، وفي جامع المقاصد أنه لا يبعد أن يقال: إن الماء المعد في بيوت الخلاء لأخذ النجاسات واكتنافها كما يوجد في الشامات وما جرى مجراها من البلاد الكثيرة المياه لا يكره قضاء الحاجة فيه، وفيه أن ذلك لا يصلح لأن يكون مقيدا لتلك الأدلة
(٦٩)