فان قلت: إن الجهة المقبحة وان لم تؤثر في الفاعل، إلا أنها منافية للجهة المحسنة في نفس الامر ومزاحمة لها، فلا يبقى للفعل الخارجي حسن في نفس الامر، حتى يتقرب به الفاعل في اتيانه.
قلت: ليست الجهتان متضادتين من حيث ذاتهما، ألا ترى وجود الخاصية الموافقة للطبع والمنافرة له في شرب دواء خاص واحد، بل التزاحم في رتبة تأثير كل منهما فيما تقتضيه من إرادة الشرب وعدمه، وكذلك في مرحلة مدح العقلاء مرتكب ذلك الفعل المشتمل على جهتين أو ذمهم إياه، وكما أن الجهة الملائمة للطبع لا تزاحم الجهة المنافرة له في الواقع، كذلك الجهة الملائمة للقوة العاقلة والمنافرة لها. وعلى هذا لو لم تؤثر الجهة المنافرة للعقل في استحقاق الفاعل للذم، فلا مانع من تأثير الجهة الملائمة له في استحقاقه للمدح.
(الوجه الثاني) أن العناوين الطارئة على التكاليف - مما لا تشملها أدلتها - يمكن ان تجعل موردا لحكم آخر غير ما تعلق بنفس الواقع [183]، وبهذا يجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، ومن العناوين الطارئة على التكليف كون المكلف معذورا من ذلك التكليف المتوجه إليه.
____________________
[183] لا يخفى أن مجرد امكان جعل الحكم في مورد لا يكفي في الحكم بالفعلية، ما لم يستكشف ان المزاحم انشائي، أو ان حال التجرد عن الشك دخيل فيه، فإنه قد تكون مبغوضية الفعل في حالة الجهل محفوظة بلا نقصان فيها، ولكن لا يمكن اعلام المكلف بها. ومعلوم أن المبغوضية الفعلية من جميع الجهات لا تجتمع مع