أقول: والتحقيق عندي أن القضايا الشرطية لا يستفاد منها كون الشرط - أعني ما جعل تلو إن وأخواتها - علة تامة، بل إنما يستفاد منها أن الجزاء يوجد في ظرف وجود الشرط، مع ارتباط بين الشرط والجزاء على نحو الترتب [179]، سواء كان الشرط علة تامة للجزاء أم كان أحد اجزاء العلة التامة، بعد الفراغ من باقيها. وما قيل - في بيان دلالة أدوات الشرط على كون تاليها أعني مدخولها علة تامة للجزاء - مخدوش. وسيأتي توضيح ذلك في بحث المفاهيم انشاء الله تعالى.
إذا عرفت هذا فنقول: يكفي في صدق القضايا الشرطية المتعددة - التي جزاؤها حقيقة واحدة - تحقق تلك الحقيقة مرة واحدة، ولو تعدد ما جعل شرطا في الخارج. وكذا في صورة تعدد افراد الطبيعة الواحدة التي جعلت شرطا. نعم لو وجد الجزاء، ثم تحقق فرد من افراد ما جعل شرطا، يجب إتيان الجزاء ثانيا، لان مقتضى القضية الشرطية تحقق الجزاء في ظرف وجود الشرط، فالفعل الموجود قبل تحقق الشرط لا يكفي.
ومما ذكرنا يظهر أن الأصل - في باب الأسباب - كفاية المسبب الواحد في صورة تعدد السبب، وعدم تخلل المسبب وأما في صورة التخلل، فيجب الاتيان بفعل آخر للوجود اللاحق. فتدبر جيدا.
____________________
[179] لا يخفى أن الظاهر - من قولك: إن تكلمت في الصلاة فاسجد سجدتي السهو مثلا - ان التكلم موجب للسجدة، سواء وقع قبله شئ أم لا، ولازم ذلك تكرار المسبب من غير فرق بين جز العلة وتمامها، ولا يبقى الا ما مر من أن عدم قابلية المسبب قرينة على إرادة خلاف الظاهر في السبب، وقد مر جوابه.