في ربه حتى لا يتعقل تعدده. بل لو كان فناء فهو من الفناء غير الممنوع عن الكثرة والتعدد.
وبعبارة أخرى: حقيقة الاستعمال هي الاستفادة من العلقة الثابتة بين الألفاظ والمعاني، وإذا كانت تلك العلقة متكثرة، وكان بين اللفظ الواحد والمعاني الكثيرة علقات عديدة، فتارة: يلقي اللفظ مريدا إحدى العلق وأحد المعاني، وأخرى: يلقيه ويريد الكثير، بإقامة القرينة عليه.
فما ظنه هؤلاء الفضلاء عن الفناء، ليس فناء حقيقيا كما يقول به الصوفية، بل ليس هو إلا الغفلة، وعدم التوجه التفصيلي إلى الألفاظ، وإلا فلا مانع من توجه الانسان إلى اللفظ، ولذلك يراعى جانب الأدب في الألفاظ، ويلاحظ المحسنات في نفس الكلمات، خصوصا لمن يريد التكلم بلسان ليس هو من أهله.
فما قيل: من لزوم الجمع بين اللحاظين الآليين (1)، ممنوع بهذا المعنى. كما أن النظر إلى المعنى الآلي ثانيا جائز، وفيما نحن فيه لا يلزم إلا لحاظ المعاني واللفظ مستقلا، من غير تقوم الاستعمال بكون النظر إلى اللفظ آليا، فلو سلمنا امتناع الكبرى المذكورة، فلا نسلم لزومها هنا، كما لا يخفى.
فبالجملة: الاستعمال ليس إلا الاستفادة والانتفاع من علقة الوضع والدلالة، وليس متقوما بكون النظر إلى الألفاظ آليا. ولو كان النظر آليا في المتعارف، ففي الاستعمال في الأكثر يكون النظر إليها استقلاليا، للاحتياج إلى الإتيان بالقرينة الدالة على إرادة الأكثر من اللفظ المستعمل.
هذا مع أن الجمع بين النظرين الآليين غير ممنوع، لأنه ليس معناه إلا الغفلة عن اللفظ، لا التوجه والالتفات إلى تلك الغفلة، وهذا لا يرجع إلى الجمع بين الآلي والاستقلالي، بل إذا نظر إلى اللفظ فلا يكون النظر آليا، لعدم تقوم ماهية الاستعمال