كالألفاظ المستعملة عقيب أسماء الإشارة، مثل قوله تعالى: * (ذلكما مما علمني ربي) * (1) فإن الظاهر والمتبادر من قوله: * (ذلكما) * ليس إلا الإشارة إلى معنى معلوم، وليس في هذا المقام خطاب إليهما، بخلاف ما إذا قيل: * (فذلكن الذي لمتنني فيه) * (2) فإنه فيه - زائدا على الإشارة - خطاب، والأمر سهل.
فإن أبيت عن ذلك نقول: إن جميع ألفاظ الخطاب موضوعة للمخاطبة، فيوجد بها في مقام الاستعمال الخطاب. وما هو السر في توهم كون المشار إليه داخلا في الموضوع له (3)، وهكذا المرجع، أو المخاطب: هو أن مصاديق هذه المعاني الكلية معان حرفية، فلا تتوجه النفس من هذه الألفاظ إلا إلى الطرف الذي هو المقوم للإشارة ونحوها، ولكنه بالنظر الثانوي يعلم خلاف ذلك.
ثم إن حرفية هذه المعاني، ليست كحرفية وجود الأعراض بالنسبة إلى وجود الجواهر، بل هي حرفية اعتبارية، وتلك حرفية خارجية عينية.
والذي هو المناط في تشخيص كون مفاد جملة أو كلمة أنها معنى اسمي أو حرفي: هو أن المعاني الاسمية ليست لها مفاهيم اخر حاكية عنها إلا نفسها، بخلاف المعاني الحرفية، فإن لها مفاهيم اخر اسمية يحكى بها، فلحيثية المعنى الحرفي في كلمة " من " معنى اسمي هو " الابتداء " وهكذا، ولحيثية المعنى الحرفي في كلمة " هذا " وأخواتها معنى اسمي هي " الإشارة والخطاب ".
وهذا دليل على أن ضمائر الغيبة مفادها الإشارة، وأن أدوات الخطاب مفادها معان حرفية، لإمكان حكايتها بالمفهوم الاسمي وهو " الخطاب " فإذا قال: * (إياك