النظر عن القيام بها وإن كان هو ليس شيئا في نفس الأمر، ولكنه لا يقتضي قصور النفس عن هذا اللحاظ، فتشاهد اشتراك المعاليل - بنحو الكلي - في ربطها بالعلة، إلا أن منها ما هي الربط بها بلا وسط، أو مع الوسط، بلا أن يكون قائما بها قياما حلوليا، فعندئذ ترى الفرق بين أنحاء الوجودات:
فمنها: ما هو الواجب عز اسمه.
ومنها: ما هو وجود الجواهر.
ومنها: ما هو وجود الأعراض.
فمفاهيم الجواهر مفاهيم مأخوذة من تلك الوجودات، ومصاديقها النفس الأمرية ليست إلا الحروف والربطيات الصرفة، ونفس تلك الوجودات القائمات بالعلل صدورا.
ومن هذا القبيل المفاهيم في المعاني الحرفية، التي هي الروابط لتلك الموضوعات المربوطة بذاتها، الحالة فيها، والقائمة بها قياما حلوليا، فإن تلك المفاهيم وإن تكن كلية واسمية، إلا أن مصاديقها النفس الأمرية، ليست إلا الروابط المخصصة الفانيات في محالها، فكما للعقل أخذ معنى الجوهر من تلك الوجودات، له أخذ مفهوم الابتداء والانتهاء والظرفية والملكية والغاية والاستثناء وغير ذلك من هذه الوجودات، وكما لا تكون مصاديق تلك المفاهيم إلا الربطيات الصرفة، كذلك مصاديق هذه المفاهيم.
فلا ينبغي الخلط بين مقام الواقع والتكوين، ومقام الوضع واللغات، فما هو الموضوع له أمر، وما هو مصداقه أمر آخر.
وتحت هذا سر جواز استعمال تلك المفاهيم الكلية مقام الحروف، فيصح أن يقال: " مبدأ سيري البصرة، ومنتهاه الكوفة " كما يصح جعل لفظة حذاء المعنى المركب، وهو " السير من البصرة " مثلا، أو " الوصول إلى الكوفة " وهكذا، فإنه عندئذ