والشر أخبث ما أوعيت من زاد واعلم أن وجه التذكير في هذا أن نجاة قوم من الغرق بالسفينة وتغريق من سواهم يدل على قدرة مدبر العالم ونفاذ مشيئته، ونهاية حكمته ورحمته وشدة قهره وسطوته، وعن النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: " سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي: فما نسيت شيئا بعد ذلك، وما كان لي أن أنسى " فإن قيل: لم قال * (أذن واعية) * على التوحيد والتنكير؟ قلنا: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم، وللدلالة على أن الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن الله فهي السواد الأعظم عند الله، وأن ما سواها لا يلتفت إليهم، وإن امتلأ العالم منهم.
المسألة الثانية: قراءة العامة: * (وتعيها) * بكسر العين، وروى عن ابن كثير * (وتعيها) * ساكنة العين كأنه جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة فخذ، فأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف، وإنما فعل ذلك لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فأشبه ما هو من نفس الكلمة، وصار كقول من قال: وهو وهي ومثل ذلك قوله: * (ويتقه) * (النور: 52) في قراءة من سكن القاف. واعلم أنه تعالى لما حكى هذه القصص الثلاث ونبه بها عن ثبوت القدرة والحكمة للصانع فحينئذ ثبت بثبوت القدرة إمكان القيامة، وثبت بثبوت الحكمة إمكان وقوع القيامة. ولما ثبت ذلك شرع سبحانه في تفاصيل أحوال القيامة فذكر أولا مقدماتها. فقال:
* (فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرىء * (نفخة) * بالرفع والنصب، وجه الرفع أسند الفعل إليها، وإنما حسن تذكير الفعل للفصل، ووجه النصب أن الفعل مسند إلى الجار والمجرور ثم نصب نفخة على المصدر. المسألة الثانية: المراد من هذه النفخة الواحدة هي النفخة الأولى لأن عندها يحصل خراب العالم، فإن قيل: لم قال بعد ذلك * (يومئذ تعرضون) * (الحاقة: 18) والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية؟ قلنا: جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان، والصعقة والنشور، والوقوف والحساب، فلذلك قال: * (يومئذ تعرضون) * كما تقول: جئته عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته.
* (وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة) *.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: رفعت الأرض والجبال، إما بالزلزلة التي تكون في القيامة، وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال، أو بملك من الملائكة أو بقدرة الله من غير