بيته حزينا وتدثر بثيابه، فقيل: * (يا أيها المدثر * قم فأنذر) * (المدثر: 1 - 2) ولا تمنعك تلك السفاهة عن الإنذار * (وربك فكبر) * (المدثر: 3) عن أن لا ينتقم منهم * (وثيابك فطهر) * عن تلك النجاسات والقاذورات، الاحتمال الثاني: أن يبقى لفظ الثياب على حقيقته، ويجعل لفظ التطهير على مجازه، فهنا قولان: الأول: أن المراد من قوله: * (فطهر) * أي فقصر، وذلك لأن العرب كانوا يطولون ثيابهم ويجرون أذيالهم فكانت ثيابهم تتنجس، ولأن تطويل الذيل إنما يفعل للخيلاء والكبر، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك القول الثاني: * (وثيابك فطهر) * أي ينبغي أن تكون الثياب التي تلبسها مطهرة عن أن تكون مغصوبة أو محرمة، بل تكون مكتسبة من وجه حلال، الاحتمال الثالث: أن يبقى لفظ التطهير على حقيقته، ويحمل لفظ الثياب على مجازه، وذلك أن يحمل لفظ الثياب على الحقيقة وذلك لأن العرب ما كانوا يتنظفون وقت الاستنجاء، فأمر عليه الصلاة والسلام بذلك التنظيف وقد يجعل لفظ الثياب كناية عن النفس. قال عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه (أي نفسه) ولهذا قال: ليس الكريم على القنا بمحرم الاحتمال الرابع: وهو أن يحمل لفظ الثياب، ولفظ التطهير على المجاز، وذكروا على هذا الاحتمال وجوها الأول: وهو قول أكثر المفسرين: وقلبك فطهر عن الصفات المذمومة وعن الحسن: * (وثيابك فطهر) * قال: وخلقك فحسن، قال القفال: وهذا يحتمل وجوها أحدها: أن الكفار لما لقبوه بالساحر شق ذلك عليه جدا، حتى رجع إلى بيته وتدثر بثيابه، وكان ذلك إظهار جزع وقلة صبر يقتضيه سوء الخلق، فقيل له: * (قم فأنذر) * (المدثر: 2) ولا تحملنك سفاهتهم على ترك إنذارهم بل حسن خلقك والثاني: أنه زجر عن التخلق بأخلاقهم، فقيل له: طهر ثيابك أي قلبك عن أخلاقهم، في الافتراء والتقول والكذب وقطع الرحم والثالث: فطهر نفسك وقلبك عن أن تعزم على الانتقام منهم والإساءة إليهم، ثم إذا فسرنا الآية بهذا الوجه، ففي كيفية اتصالها بما قبلها وجهان الأول: أن يقال: إن الله تعالى لما ناداه في أول السورة، فقال: * (يا أيها المدثر) * (المدثر: 1) وكان التدثر لباسا، والدثار من الثياب، قيل طهر ثيابك التي أنت متدثر بها عن أن تلبسها على هذا التفكر والجزع والضجر من افتراء المشركين الوجه الثاني: أن يفسر المدثر بكونه متدثرا بالنبوة، كأنه قيل: يا أيها المتدثر بالنبوة طهر ما تدثرت به عن الجزع وقلة الصبر، والغضب والحقد، فإن ذلك لا يليق بهذا الدثار، ثم أوضح ذلك بقوله: * (ولربك فاصبر) * (المدثر: 7) واعلم أن حمل المدثر على المتصف ببعض الصفات جائز، يقال: فلان طاهر الجيب نقي الذيل، إذا وصفوه بالنقاء من المعايب، ويقال: فلان دنس الثياب إذا كان موصوفا بالأخلاق الذميمة، قال الشاعر: فلا أب وابنا مثل مروان وابنه * إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا والسبب في حسن هذه الكناية وجهان الأول: أن الثوب كالشئ الملازم للإنسان، فلهذا