قوة ذوقية وحالة وجدانية لا يمكن التعبير عنها، وتكون نسبة الإدراك مع الذوق إلى الإدراك لا مع الذوق، كنسبة من يأكل السكر إلى من يصف حلاوته بلسانه.
المسألة الثانية: قال المتكلمون: هذه المعية إما بالعلم وإما بالحفظ والحراسة، وعلى التقديرين فقد انعقد الإجماع على أنه سبحانه ليس معنا بالمكان والجهة والحيز، فإذن قوله: * (وهو معكم) * لا بد فيه من التأويل وإذا جوزنا التأويل في موضع وجب تجويزه في سائر المواضع.
المسألة الثالثة: اعلم أن في هذه الآيات ترتيبا عجيبا، وذلك لأنه بين قوله: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) * كونه إلها لجميع الممكنات والكائنات، ثم بين كونه إلها للعرش والسماوات والأرضين.
ثم بين بقوله: * (وهو معكم أينما كنتم) * معينه لنا بسبب القدرة والإيجاد والتكوين وبسبب العلم وهو كونه عالما بظواهرنا وبواطننا، فتأمل في كيفية هذا الترتيب، ثم تأمل في ألفاظ هذه الآيات فإن فيها أسرارا عجيبة وتنبيهات على أمور عالية.
ثم قال تعالى:
* (له ملك السماوات والارض وإلى الله ترجع الامور) *.
أي إلى حيث لا مالك سواه، ودل بهذا القول على إثبات المعاد.
ثم قال تعالى:
* (يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل وهو عليم بذات الصدور) *.
وهذه الآيات قد تقدم تفسيرها في سائر السور، وهي جامعة بين الدلالة على قدرته، وبين إظهار نعمه، والمقصود من إعادتها البعث على النظر والتأمل، ثم الاشتغال بالشكر.
* (ءامنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) *.
قوله تعالى: * (آمنوا بالله ورسوله) * اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواعا من الدلائل على التوحيد والعلم والقدرة، أتبعها بالتكاليف، وبدأ بالأمر بالإيمان ورسوله، فإن قيل قوله: * (آمنوا) * خطاب مع من عرف الله، أو مع من لم يعرف الله، فإن كان الأول كان ذلك أمرا بأن يعرفه من عرف، فيكون ذلك أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال، وإن كان الثاني، كان الخطاب متوجها على من لم يكن عارفا به، ومن لم يكن عارفا به استحال أن يكون عارفا بأمره، فيكون الأمر متوجها على من يستحيل أن يعرف كونه مأمورا بذلك الأمر، وهذا تكليف مالا يطاق والجواب: من الناس من قال: معرفة وجود الصانع حاصلة للكل، وإنما المقصود من هذا الأمر معرفة الصفات.
ثم قال تعالى: * (وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر