بلوغه إلى التواتر وحيث لم يكن كذلك فقد تطرقت التهمة إليها، وسادسها: أن الاعتماد على خبر الواحد الذي لا يفيد إلا الظن في المسائل القطعية غير جائز. أجاب أصحابنا عن هذه المطاعن بأن كل واحد من هذه الأخبار وإن كان مرويا بالآحاد إلا أنها كثيرة جدا وبينها قدر مشترك واحد وهو خروج أهل العقاب من النار بسبب الشفاعة فيصير هذا المعنى مرويا على سبيل التواتر فيكون حجة والله أعلم. والجواب على جميع أدلة المعتزلة بحرف واحد وهو أن أدلتهم على نفى الشفاعة تفيد نفى جميع أقسام الشفاعات، وأدلتنا على إثبات الشفاعة تفيد إثبات شفاعة خاصة والعام والخاص إذا تعارضا قدم الخاص على العام فكانت دلائلنا مقدمة على دلائلهم، ثم إنا نخص كل واحد من الوجوه التي ذكروها بجواب على حدة:
أما (الوجه الأول) وهو التمسك بقوله تعالى (ولا يقبل منها شفاعة) فهب أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا أن تخصيص مثل هذا العام بذلك السبب الخصوص يكفي فيه أدنى دليل، فإذا قامت الدلائل الدالة على وجود الشفاعة وجب المصير إلى تخصيصها.
وأما (الوجه الثاني) وهو قوله تعالى (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) فالجواب عنه أن قوله (ما للظالمين من حميم ولا شفيع) نقيض لقولنا: للظالمين حميم وشفيع، لكن قولنا للظالمين حميم وشفيع موجبة كلية، ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، والسالبة الجزئية يكفي في صدقها تحقق ذلك السلب في بعض الصور، ولا يحتاج فيه إلى تحقق ذلك السلب في جميع الصور، وعلى هذا فنحن نقول بموجبه لان عندنا أنه ليس لبعض الظالمين حميم ولا شفيع يجاب وهم الكفار، فأما أن يحكم على كل واحد منهم بسلب الحميم والشفيع فلا.
وأما (الوجه الثالث) وهو قوله (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فالجواب عنه ما تقدم في الوجه الأول.
وأما (الوجه الرابع) وهو قوله (وما للظالمين من أنصار) فالجواب عنه أنه نقيض لقولنا:) للظالمين أنصار وهذه موجبة كلية فقوله (وما للظالمين من أنصار) سالبة جزئية فيكون مدلوله سلب العموم وسلب العموم لا يفيد عموم السلب.
وأما (الوجه السادس) وهو قوله (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) فهذا وارد في حق الكفار وهو يدل بسبب التخصيص على ضد هذا الحكم في حق المؤمنين.
وأما (الوجه السابع) وهو قول المسلمين: اللهم اجعلنا من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فالجواب عنه أن عندنا تأثير الشفاعة في جلب أمر مطلوب وأعنى به القدر المشترك بين جلب المنافع الزائدة على قدر الاستحقاق ودفع المضار المستحقة على المعاصي، وذلك القدر المشترك لا يتوقف على كون العبد عاصيا فاندفع السؤال.