ومائتا ألف نفس كل واحد منهم على فرس حصان فتبعوهم نهارا. وهو قوله تعالى: * (فأتبعوهم مشرقين) * (الشعراء: 60) أي بعد طلوع الشمس. * (فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون) * (الشعراء: 61) فقال موسى: * (كلا إن معي ربي سيهدين) * (الشعراء: 62) فلما سار بهم موسى وأتى البحر قال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك؟ فقال موسى: إلى أمامك وأشار إلى البحر فأقحم يوشع بن نون فرسه في البحر فكان يمشي في الماء حتى بلغ الغمر، فسبح الفرس وهو عليه ثم رجع وقال له: يا موسى أين أمرك ربك؟ فقال البحر، فقال: والله ما كذبت، ففعل ذلك ثلاث مرات، فأوحى الله إليه: * (أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) * (الشعراء: 67)، فانشق البحر اثني عشر جبلا في كل واحد منها طريق، فقال له: ادخل فكان فيه وحل فهبت الصبا فجف البحر، وكل طريق فيه حتى صار طريقا يابسا كما قال تعالى: * (فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا) * (طه: 77)، فأخذ كل سبط منهم طريقا ودخلوا فيه فقالوا لموسى: إن بعضنا لا يرى صاحبه، فضرب موسى عصاه على البحر فصار بين الطرق منافذ وكوى فرأى بعضهم بعضا، ثم أتبعهم فرعون، فلما بلغ شاطئ البحر رأى إبليس واقفا فنهاه عن الدخول فهم بأن لا يدخل البحر فجاء جبريل عليه السلام على حجرة فتقدم فرعون وهو كان على فحل فتبعه فرس فرعون ودخل البحر، فلما دخل فرعون البحر صاح ميكائيل بهم الحقوا آخركم بأولكم، فلما دخلوا البحر بالكلية أمر الله الماء حتى نزل عليهم في ذلك قوله تعالى: * (وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) * وقيل كان ذلك اليوم يوم عاشوراء، فصام موسى عليه السلام ذلك اليوم شكرا لله تعالى.
البحث الثاني: اعلم أن هذه الواقعة تضمنت نعما كثيرة في الدين والدنيا، أما نعم الدنيا في حق موسى عليه السلام فهي من وجوه، أحدها: أنهم لما وقعوا في ذلك المضيق الذي من ورائهم فرعون وجنوده وقدامهم البحر، فإن توقفوا أدركهم العدو وأهلكهم بأشد العذاب وإن ساروا غرقوا فلا خوف أعظم من ذلك، ثم إن الله نجاهم بفلق البحر فلا فرج أشد من ذلك. وثانيها: أن الله تعالى خصهم بهذه النعمة العظيمة والمعجزة الباهرة، وذلك سبب لظهور كرامتهم على الله تعالى. وثالثها: أنهم شاهدوا أن الله تعالى أهلك أعداءهم ومعلوم أن الخلاص من مثل هذا البلاء من أعظم النعم، فكيف إذا حصل معه ذلك الإكرام العظيم وإهلاك العدو. ورابعها: أن أورثهم أرضهم وديارهم ونعمهم وأموالهم. وخامسها: أنه تعالى لما أغرق آل فرعون فقد خلص بني إسرائيل منهم، وذلك نعمة عظيمة لأنه كان خائفا منهم، ولو أنه تعالى خلص موسى وقومه من تلك الورطة وما أهلك فرعون وقومه لكان الخوف باقيا من حيث إنه ربما اجتمعوا واحتالوا بحيلة وقصدوا إيذاء موسى عليه السلام وقومه، ولكن الله تعالى لما أغرقهم فقد حسم مادة الخوف بالكلية. وسادسها: أنه وقع ذلك الإغراق بمحضر من بني إسرائيل وهو المراد من قوله تعالى: * (وأنتم تنظرون) * وأما نعم الدين في حق موسى عليه السلام فمن وجوه، أحدها: أن قوم موسى لما شاهدوا تلك المعجزة الباهرة زالت عن قلوبهم الشكوك والشبهات، فإن دلالة مثل هذا المعجز