وقال آخرون: كان ذلك الأذى، أذى اللسان، غير أنه كان سبا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (فآذوهما) * يعني: سبا.
وقال آخرون: بل كان ذلك الأذى باللسان واليد. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) * فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير، وضرب بالنعال.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين إذا أتيا ذلك وهما من أهل الاسلام، والأذى قد يقع بكل مكروه نال الانسان من قول سيئ باللسان أو فعل، وليس في الآية بيان أن ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ، ولا خبر به عن رسول الله (ص) من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئها قطع العذر. وأهل التأويل في ذلك مختلفون، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان واليد، وجائز أن يكون كان أذى بأيهما، وليس في العلم بأي ذلك كان من أي نفع في دين ولا دنيا ولا في الجهل به مضرة، إذ كان الله جل ثناؤه قد نسخ ذلك من محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما، فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما فما أوجب في سورة النور بقوله: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما، فالرجم الذي قضى به رسول الله (ص) فيهما وأجمع أهل التأويل جميعا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم.
وقال جماعة من أهل التأويل: إن الله سبحانه نسخ بقوله: * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * قوله: * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) *. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) * قال: كل ذلك نسخته الآية التي في النور بالحد المفروض.