امرأة، لأنه لو كان مقصود بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال كما كان مقصودا بقوله: * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) * قصد البيان عن حكم الزواني، لقيل: والذين يأتونها منكم فآذوهم، أو قيل: والذي يأتيها منكم، كما قيل في التي قبلها: * (واللاتي يأتين الفاحشة) * فأخرج ذكرهن على الجمع، ولم يقل: واللتان يأتيان الفاحشة. وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه، أخرجت أسماء أهله بذكر الجمع أو الواحد، وذلك أن الواحد يدل على جنسه، ولا تخرجها بذكر اثنين، فتقول:
الذين يفعلون كذا فلهم كذا، والذي يفعل كذا فله كذا، ولا تقول: اللذان يفعلان كذا فلهما كذا، إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية.
فإذا كان ذلك كذلك، قيل بذكر الاثنين، يراد بذلك الفاعل والمفعول به، فإما أن يذكر بذكر الاثنين والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين فذلك ما لا يعرف في كلامها. وإذا كان ذلك كذلك، فبين فساد قول من قال: عني بقوله: * (واللذان يأتيانها منكم) * الرجلان، وصحة قول من قال: عني به الرجل والمرأة وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله: * (واللاتي يأتين الفاحشة) * لان هذين اثنان وأولئك جماعة. وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا، لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم أغلظ من السبيل التي جعلت للابكار من جلد المائة ونفي السنة.
القول في تأويل قوله تعالى: * (فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) *.
اختلف أهل التأويل في الأذى الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه، فقال بعضهم: ذلك الأذى، أذى بالقول واللسان، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة:
* (فآذوهما) * قال: كانا يؤذيان بالقول جميعا.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: * (فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) * فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك.