حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، مثله.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) * قال: الجهالة: العمد.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) * قال: الدنيا كلها جهالة.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: تأويلها: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها عامدين كانوا للإثم، أو جاهلين بما أعد الله لأهلها. وذلك أنه غير موجود في كلام العرب، تسمية العامد للشئ الجاهل به، إلا أن يكون معنيا به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرته، فيقال: هو به جاهل، على معنى جهله بمعنى: نفعه وضره، فأما إذا كان عالما بقدر مبلغ نفعه وضره قاصدا إليه، فغير جائز من غير قصده إليه أن يقال هو به جاهل، لان الجاهل بالشئ هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه، أو يعلمه فيشبه فاعله، إذ كان خطأ ما فعله بالجاهل الذي يأتي الامر وهو به جاهل فيخطئ موضع الإصابة منه، فيقال: إنه لجاهل به، وإن كان به عالما لاتيانه الامر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به. وكذلك معنى قوله:
* (يعملون السوء بجهالة) * قيل فيهم: يعملون السوء بجهالة وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام، لان فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم: أتاه بجهالة، بمعنى: أنه فعل فعل الجهال به، لا أنه كان جاهلا.
وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه: أنهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب، فلم يعلموه كعلم العالم، وإن علموه ذنبا، فلذلك قيل: * (يعملون السوء بجهالة) *. ولو كان الامر على ما قال صاحب هذا القول لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كنه ما فيه. وذلك أنه جل ثناؤه قال: * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) * دون غيرهم.