وقال آخرون: بل هذه الآية كانت نزلت في أهل الايمان، غير أنها نسخت. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) * فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * فحرم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الاسلام، وذلك أن المنافقين كفار، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله: * (ولا الذين يموتون وهم كفار) * معنى مفهوم، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد من أن جميعهم كفار، فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة. وفي تفرقة الله جل ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمى أحد الصنفين كافرا، ووصف الصنف الآخر بأنهم أهل سيئات، ولم يسمهم كفارا ما دل على افتراق معانيهم، وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا، وفساد ما خالفه.
القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) *.
يعني بذلك جل ثناؤه: ولا التوبة للذين يموتون وهم كفار فموضع الذين خفض، لأنه معطوف على قوله: * (للذين يعملون السيئات) *. وقوله: * (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) * يقول: هؤلاء الذين يموتون وهم كفار، أعتدنا لهم عذابا أليما، لأنهم أبعدهم من التوبة كونهم على الكفر. كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن أبي النضر، عن أبي صالح، عن ابن عباس: * (ولا الذين يموتون وهم كفار) * أولئك أبعد من التوبة.