لما رجع موسى إلى قومه، وكانوا سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه.
فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم، فقالوا: يا موسى أما من توبة؟ قال: بلى فاقتلوا أنفسكم ذلكم حير لكم عند بارئكم فتاب عليكم الآية.... فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين. قال: وبعث عليهم ضبابة، قال: فجعلوا يتلامسون بالأيدي، ويقتل بعضهم بعضا. قال: ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري، ويتنادون فيها: رحم الله عبدا صبر حتى يبلغ الله رضاه. وقرأ قول الله جل ثناؤه: وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين. قال: فقتلاهم شهداء، وتيب على أحيائهم. وقرأ:
فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم.
فالذي ذكرنا عمن روينا عنه الاخبار التي رويناها كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك.
وأما معنى قوله: فتوبوا إلى بارئكم فإنه يعني به: ارجعوا إلى طاعة خالقكم وإلى ما يرضيه عنكم. كما:
حدثني به المثنى بن إبراهيم قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: فتوبوا إلى بارئكم أي إلى خالقكم. وهو من برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ. والبرية: الخلق، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، غير أنها لا تهمز كما لا يهمز ملك، وهو من لاك، لكنه جرى بترك الهمزة، كذلك قال نابغة بني ذبيان:
إلا سليمان إذ قال المليك له * قم في البرية فاحددها عن الفند وقد قيل: إن البرية إنما لم تهمز لأنها فعيلة من البرى، والبرى: التراب. فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب. وقال بعضهم: إنما أخذت البرية من قولك بريت العود، فلذلك لم يهمز.