خطبة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي وعليه اعتمادي رب يسر.
قرئ على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، في سنة ست وثلاثمائة قال:
الحمد لله الذي حجبت الألباب بدائع حكمه، وخصت العقول لطائف حججه، وقطعت عذر الملحدين عجائب صنعه، وهتف في أسماع العالمين ألسن أداته، شاهدة أنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا عدل (1) له معادل، ولا مثل له مماثل، ولا شريك له مظاهر، ولا ولد له ولا والد، ولم يكن له صاحبة ولا كفوا أحد.
وأنه الجبار الذي خضعت لجبروته الجبابرة، والعزيز الذي ذلت لعزته الملوك الأعزة، وخشعت لمهابة سطوته ذوو المهابة، وأذعن له جميع الخلق بالطاعة، طوعا وكرها، كما قال الله عز وجل: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) (2).
فكل موجود إلى وحدانيته داع، وكل محسوس إلى ربوبيته هاد، بما وسمهم به من آثار الصنعة، من نقص وزيادة، وعجز وحاجة، وتصرف في عاهات عارضة، ومقارنة أحداث لازمة، لتكون له الحجة البالغة. ثم أردف ما شهدت به من ذلك أدلته، وأكد ما استنارت في القلوب منه بهجته، برسل ابتعثهم إلى من يشاء من عباده، دعاة إلى ما اتضحت لديهم صحته، وثبتت في العقول حجته (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) (3) ليذكر أولو النهى والحلم، فأمدهم بعونه، وأبانهم من سائر خلقه، بما دل به على صدقهم من الأدلة، وأيدهم به من الحجج البالغة، والآي المعجزة، لئلا يقول القائل فيهم (ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون) (4).