لقد أجاب نوح (عليه السلام) بجملة قصيرة على هذه اللجاجة والحماقة وعدم الاعتناء بقوله: إنما يأتيكم به الله إن شاء فذلك خارج من يدي على كل حال وليس باختياري، إنما أنا رسوله ومطيع لأمره، فلا تطلبوا مني العذاب والعقاب!.. ولكن حين يحل عذابه فاعلموا أنكم لا تقدرون أن تفروا من يد قدرته أو تلجأوا إلى مأمن آخر وما أنتم بمعجزين.
و " المعجز " مشتق من مادة " الإعجاز " وهي بمعنى سلب القدرة من الغير، وتستعمل هذه الكلمة أحيانا في موارد يكون الإنسان مانعا لعمل الآخر أو لصده عن سبيله فيعجزه عن القيام بأي عمل، وأحيانا تستعمل في فرار الإنسان من يد الآخر وخروجه من هيمنته فلا يقدر عليه، وأحيانا تستعمل في تكبيل الآخر بالوثاق، أو بجعله مصونا.. الخ.
فكل هذه المعاني من أوجه الإعجاز وسلب القدرة من الطرف الآخر.
الآية الآنفة الذكر تحتمل جميع هذه المعاني، لأنه لا منافاة بين جميع هذه المعاني، فكلها تعني أن لا حيلة تخلصكم وتجعلكم في أمان من عذابه.
ثم يضيف: وإذا كان الله يريد أن يضلكم ويغويكم - لما أنتم عليه من الذنوب والتلوث الفكري والجسدي - فلا فائدة من نصحي لكم إذا ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فهو وليكم وأنتم في قبضته هو ربكم وإليه ترجعون.
سؤال: مع مطالعة هذه الآية يثور هذا السؤال فورا - كما أن كثيرا من المفسرين أشاروا إليه أيضا - وهو: هل يمكن أن يريد الله الغواية والضلال لعباده؟ ثم أليس هذا دليلا على الجبر؟ وهل يتوافق هذا المعنى مع أصل حرية الإرادة والاختيار للانسان؟
والجواب: كما اتضح من ثنايا البحث المتقدم - وما أشرنا إليه مرات عديدة - أنه قد تصدر من الإنسان - أحيانا - سلسلة من الأعمال التي تكون نتيجتها الغواية