في الحقيقة أن مسألة التوحيد والعبودية لله الواحد الأحد هي أساس دعوة الأنبياء جميعا. فنحن نقرا في الآية الثانية من هذه السورة، والآية (40) من سورة يوسف (عليه السلام)، الآية (23) من سورة الإسراء... نقرأ في هذه الآيات وأمثالها في الحديث عن الأنبياء أن دعوتهم جميعا تتلخص في توحيد الله سبحانه.
فإذا كان جميع أفراد المجتمع موحدون ولا يعبدون إلا الله، ولا ينقادون للأوثان الوهمية الخارجية منها والداخلية من قبيل الأنانية والهوى والشهوات والمقام والجاه والنساء والبنين فلا يبقى أثر للسلبيات والخباثب في المجتمع البشري.
فإذا لم يصنع الشخص الضعيف من ضعفه هذا صنما ليسجد له ويتبع أمره، فلا استكبار حينئذ ولا استعمار، ولا آثارهما الوخيمة من قبيل الذل والأسر والتبعية والميول المنحرفة وأنواع الشقاء بين أفراد المجتمع، لأن كل هذه الأمور وليدة الانحراف عن عبادة الله والتوجه نحو الأصنام والطواغيت.. فلننظر الآن أول رد فعل من قبل الطواغيت واتباع الهوى والمترفين وأمثالهم إزاء إنذار الأنبياء، كيف كان وماذا كان؟!
لاشك أنه لم يكن سوى حفنة من الأعذار الواهية والحجج الباطلة والأدلة الزائفة التي تعتبر ديدن جميع الجبابرة في كل عصر وزمان، فقد أجاب أولئك دعوة نوح بثلاثة إشكالات:
الأول: إن الإشراف والمترفين من قوم نوح (عليه السلام) قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك: فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا زعما منهم أن الرسالة الإلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر لا أن البشر يحملها إلى البشر! وظنا منهم أن مقام الإنسان أدنى من مقام الملائكة، أو أن الملائكة تعرف حاجات الإنسان أكثر منه.
نلاحظ هنا كلمة " الملأ " التي تشير إلى أصحاب الثروة والقوة الذين يملأ العين