مرارا في هذه السورة.
إن سياق الآية يوحي بأن المشركين كانوا يتوهمون أحيانا أن من الممكن أن يلين النبي ويتسامح في عقيدته في شأن الأصنام ويعترف ويقر لهم عبادة الأصنام ولو جزئيا إلى جانب الاعتقاد بالله بنحو من الأنحاء.
إلا أن القرآن ينسف هذا التوهم الواهي بصورة قاطعة وحاسمة ويقطع عليهم احلامهم هذه إلى الأبد، فلا معنى لأي نوع من المساومة واللين في مقابل الأصنام، ولا معبود إلا الله، لا تزيد كلمة ولا تنقص أخرى.
ففي البداية يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخاطب جميع الناس: قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولا تكتفي الآية بنفي آلهة أولئك، بل تثبت كل العبادة لله سبحانه زيادة في التأكيد فتقول: ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم. ومن أجل تأكيد أكبر تضيف: أن هذه ليست إرادتي فقط، بل وأمرت أن أكون من المؤمنين.
إن التأكيد هنا على مسألة قبض الروح فقط من بين صفات الله، أما لأن الإنسان إذا كان يشك في كل شئ فإنه لا يستطيع أن يشك في الموت، أو لأن هذه الآية أرادت أن تنبه هؤلاء إلى مسألة العذاب والعقوبات المهلكة التي أشير إليها في الآيات السابقة، ولوحت بالتهديد بالغضب الإلهي.
وبعد أن بينت الآية العقيدة الحقة في نفي الشرك وعبادة الأوثان بكل صراحة وقوة، تطرقت إلى بيان دليل ذلك، دليل من الفطرة. ودليل من العقل:
وأن أقم وجهك للدين حنيفا وهنا أيضا لم يكتف بجانب الإثبات، بل نفي الطرف المقابل لتأكيد الامر، فقالت الآية: ولا تكونن من المشركين.
" الحنيف " - كما قلنا سابقا - تعني: الشخص الذي يميل ويتحول عن طريق الانحراف إلى جادة الصواب والاستقامة، وبتعبير آخر: يغض الطرف عن المذاهب والأفكار المنحرفة، ويتوجه إلى دين الله المستقيم، ذلك الدين الموافق