يحاربه ويواجهه عن هذا الطريق؟ أم أنه كان يعلم أنه مرسل من الله، إلا أنه كان يظن أنه يستطيع بواسطة ضجة السحرة وغوغائهم أن يهدئ الناس، ويمنع مؤقتا خطر نفوذ موسى في الأفكار العامة، ويقول للناس بأنه إن جاء بعمل خارق للعادة فإننا غير عاجزين عن القيام بمثله، وإذا شاءت إرادتنا الملوكية ذلك، فإن مثل هذا الشئ سهل يسير بالنسبة لنا!
ويبدو أن الاحتمال الثاني أقرب، ويؤيد ذلك سائر الآيات المرتبطة بقصة موسى التي وردت في سورة طه وأمثالها، وأنه هب لمجابهة موسى عن وعي ودراية.
على كل حال: فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون.
جملة ألقوا ما أنتم ملقون تعني في الأصل: ألقوا كل ما تستطيعون إلقاءه، وهذا إشارة إلى الحبال والعصي الخاصة التي كان جوفها خاليا، وصبت فيه مواد كيماوية خاصة بحيث أنها تتحرك وتتقلب إذا ما قابلت نور الشمس. والشاهد على هذا الكلام الآيات التي وردت في سورة الأعراف والشعراء، ففي الآية (43) - (44) من سورة الشعراء نقرأ: قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. ولكن من الطبيعي أنها تتضمن هذا المعنى أيضا بأن أظهروا كل ما تملكون من القدرة في الميدان.
على كل حال، فإن هؤلاء قد عبؤوا كل ما يملكون من قدرة، وألقوا كل ما أتوا به - معهم في وسط الحلبة: فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله فأنتم أفراد فاسدون ومفسدون لأنكم تخدمون حكومة جبارة وظالمة وتعملون على تقوية دعائم هذه الحكومة الغاشمة الدكتاتورية وهذا بنفسه أقوى دليل على كونكم مفسدين، و إن الله لا يصلح عمل المفسدين.
في الواقع، إن كل إنسان ذي عقل وعلم يستطيع أن يدرك هذه الحقيقة حتى قبل انتصار موسى على السحرة، وهي أن عمل السحرة لا يقوم على أساس من