هذا إضافة إلى أن كبار السن الذين التحقوا فيما بعد بهذه الفئة لم يكن لهم دور مهم في المجتمع آنذاك، وكانوا ضعفاء وعاجزين، وهذا التعبير - كما نقل عن ابن عباس - في حقهم ليس ببعيد كما أننا حينما ندعو بعض أصدقائنا نقول: اذهب وادع الأولاد، بالرغم من أنهم قد يكونون كبارا، وإذا لم نتفق وهذا المعنى للآية، فإن الاحتمال الأول يبقى على قوته.
إضافة إلى أن الذرية وإن كانت تطلق عادة على الأولاد، إلا أنها من ناحية الأصل اللغوي - كما يقول الراغب في المفردات - تشمل الصغير والكبير.
والملاحظة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هنا، هي أن المراد من الفتنة التي تستفاد من جملة أن يفتنهم هو صرف هؤلاء عن دين موسى بالتهديد والإرعاب والتعذيب، أو بمعنى آخر إيجاد مختلف المصاعب والعراقيل امامهم سواء كانت دينية أو غير دينية.
على كل حال، فقد حدث موسى هؤلاء بلسان المحبة والمودة من أجل تهدئة خواطرهم وتسكين قلوبهم: وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين.
إن حقيقة التوكل هي إلقاء العمل والتصرف في الأمور على كاهل الوكيل، وليس معنى التوكل أن يترك الإنسان الجد والسعي وينزوي في زاوية ويقول: إن الله معتمدي وكفى، بل معناه أن يبذل قصارى جهده، فإذا لم يستطع أن يحل المشكلة ويرفع الموانع من طريقه، فلا يدع للخوف طريقا إلى نفسه، بل يصمد أمامها بالتوكل والاعتماد على لطف الله والاستعانة بذاته المقدسة وقدرته اللامتناهية، ويستمر في جهاده المتواصل، وحتى في حالات القدرة والاستطاعة فإنه لا يرى نفسه مستغنيا عن الله، لأن كل قدرة يتمتع بها هي من الله في النهاية.
هذا هو مفهوم التوكل الذي لا ينفك عن الإيمان والإسلام، لأن الفرد المؤمن والمذعن لأوامر الله يعتقد أنه قادر على كل شئ، وكل عسير مقابل إرادته سهل