وقد جاء نظير هذا المبحث بعبارات أخرى، ففي الآيتين (10) و (11) من سورة الصف يقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم.
إن الإنسان ليقع في حيرة هنا من كل هذا اللطف والرحمة الإلهية، فإن الله المالك لكل عالم الوجود، والحاكم المطلق على جميع عالم الخلقة، وكل ما يملكه أي موجود فإنما هو من فيضه ومنحته، يبدو في مقام المشتري لنفس هذه المواهب التي وهبها لعباده، ويشتري ما أعطاه بمئات الأضعاف.
والأعجب من ذلك، أن الجهاد الذي هو السبب في عزة الإنسان وافتخار الأمة، وثمراته تعود في النهاية عليها، قد اعتبر دفعا وتسليما لهذه البضاعة.
ومع أن المتعارف أن الثمن يجب أن يعادل المثمن أو البضاعة، إلا أن هذا التعادل لم يلاحظ في هذه المعاملة، وجعلت السعادة الأبدية في مقابل بضاعة متزلزلة يمكن أن تفنى في أية لحظة، (سواء كان على فراش المرض أو ساحة القتال).
والأهم من هذا أن الله سبحانه وتعالى مع أنه أصدق الصادقين، ولا يحتاج إلى سند وضمان، فإنه تعهد بأهم الوثائق والضمانات أمام عبيده.
وفي نهاية هذه المعاملة العظيمة، والصفقة الكبيرة، فإنه قد بارك لهم وبشرهم، فهل تتصور رحمة ومحبة أعلى من هذه؟!
وهل يوجد معاملة أكثر ربحا من هذه؟!
ولهذا ورد في حديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لما نزلت هذه الآية كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد، فتلا هذه الآية بصوت عال، فكبر الناس، فتقدم رجل من الأنصار وسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله، أنزلت هذه الآية؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):