الباطل.
هؤلاء وقبل أن يصلوا إلى مآربهم لم يكن لهم محل من الإعراب، أو أثر في المجتمع، لذا سيعاهدون الله وعباده بألف عهد وميثاق بأنهم إن تمكنوا من الأمر، أو امتلأت أياديهم من القدرات والأموال فسيفعلون كذا وكذا، ويتوسلون للوصول إلى أهدافهم بطرح آلاف الإشكالات والانتقادات في حق المتصدين ويتهمونهم بعدم معرفتهم بإدارة الأمور، وعدم إحاطتهم بوظائفهم وواجباتهم، أما إذا وصلوا إلى ما يرومونه وتمكنوا من الأمر، فسينسون كل تلك الوعود والعهود ويتنكرون لها، وستتبخر كل تلك الإيرادات والانتقادات وتذوب كما يذوب الجليد في حرارة الصيف.
نعم، إن ضعف النفس هذا واحدة من العلامات البارزة والواضحة للمنافقين، وهل النفاق إلا كون صاحبه ذا وجهين، وبتعبير آخر: هل هو إلا ازدواج الشخصية؟ إن سيرة هكذا أفراد وتأريخهم نموذج للشخصية المزدوجة، لأن الإنسان الأصيل ذو الشخصية المتينة لا يكون مزدوج الشخصية.
ولا شك أن للنفاق درجات مختلفة، كالإيمان، تماما، فالبعض قد ترسخت فيهم هذه الخصلة الخبيثة إلى درجة اقتلعت كل زهور الإيمان بالله من قلوبهم، ولم تبق لها أثرا، بالرغم من أنهم ألصقوا أنفسهم بالمؤمنين وادعوا أنهم منهم.
لكن البعض الآخر مع أنهم يملكون إيمانا ضعيفا، وهم مسلمون بالفعل، إلا أنهم يرتكبون أعمالا تتفق مع سلوك المنافقين، وتفوح منها رائحة الازدواجية، فهؤلاء ديدنهم الكذب، إلا أن ظاهرهم الصدق والصلاح، ومثل هؤلاء يصدق عليهم أيضا أنهم منافقون وذوو وجهين.
أليس الذي عرف بالأمانة لظاهره الصالح، واستطاع بذلك أن يكسب ثقة واطمئنان الناس فأودعوه أماناتهم، إلا أنه يخونهم في أماناتهم، هو في واقع الحال مزدوج الشخصية؟