والنفاق، هي نسبة وعلاقة العلة والمعلول، لأن الجملة الآنفة الذكر تبين وتقول بصراحة: إن سبب النفاق الذي نبت في قلوبهم وحرفهم عن الجادة هو بخلهم ونقضهم لعهودهم، وكذلك الذنوب والمخالفات الأخرى التي ارتكبوها، ولهذا فإننا نقرأ في بعض العبارات أن الكبائر في بعض الأحيان تكون سببا في أن يموت الإنسان وهو غير مؤمن، إذ ينسلخ منه روح الإيمان بسببها.
2 - إن المقصود من يوم يلقونه والذي يعود ضميره إلى الله سبحانه وتعالى هو يوم القيامة، لأن تعبير لقاء ربه وأمثاله في القرآن يستعمل عادة في موضوع القيامة. صحيح أن فترة العمل - التي هي الحياة الدنيا - تنتهي بموت الإنسان، وبموته يغلق ملف أعماله الصالحة والطالحة، إلا أن آثار تلك الأعمال تبقى تؤثر في روح الإنسان إلى يوم القيامة.
وقد احتمل جماعة أن ضمير (يلقونه) يعود إلى البخل، فيكون المعنى: حتى يلاقوا جزاء بخلهم وعقابه. ويحتمل كذلك أن يكون المراد من لقاء الله: لحظة الموت. إلا أن جميع هذه خلاف ظاهر الآية، والظاهر ما قلناه.
ولنا بحث في أنه ما هو المقصود من لقاء الله في ذيل الآية (64) من سورة البقرة.
3 - ويستفاد أيضا - من الآيات أعلاه - أن نقض العهود والكذب من صفات المنافقين، فهؤلاء سحقوا جميع العهود المؤكدة مع ربهم ولم يعيروها أية أهمية، فإنهم يكذبون حتى على ربهم، والحديث المعروف المنقول عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد هذه الحقيقة، حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): " للمنافق ثلاث علامات: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان " (1).
ومن الملفت للنظر وجود هذه العلامات الثلاث مجتمعة في القصة المذكورة - قصة ثعلبة - فإنه كذب، وأخلف وعده، وخان أمانة الله، وهي الأموال التي رزقه الله