أو قل. ولقد رأيت جماعة من الأصحاب أخلدوا إلى أخبار وجدوها فيه أو في غيره كما وجدوها وأسندوا إليها آراءهم من غير أن ينتقدوها (1) ويظهر عند الرجوع إلى الكافي أو غيره أن الأقلام أسقطت منها ألفاظا أو صحفتها وأزالت كلمة أو كلما عن مواضعها وحرفتها، وما هو إلا تقصير بالغ وزيغ عن الحق غير سائغ. ولا يستندوا في تصحيح الطرق والتضعيف والترجيح لبعضها على بعض والتطفيف إلى ما يوجد في بعض كتب الفروع من غير سبر السند برجاله والبحث عن كل رجل وحقيقة حاله، فإنه إهمال وعن الحق إغفال، وربما انكشف عن الكذب حال فانكشف البال وانقطع المقال. ولا يقتصروا في اللغات على كتاب أو كتابين، بل ليجافوا عن المضاجع الجنبين حتى ترتفع الشبهة من البين، وليبذلوا فيها مجهودهم ثم لينفقوا موجودهم، فالمساهلة فيها اجتراء عظيم على الله في أحكامه ومعاني كلامه وسنة نبيه وأقوامه - شملوا بصلوات الله وسلامه - ثم إذا ثنيت لهم الوسائد واستميحت منهم الفوائد واستفتحت بهم الشدائد واستشفيت بهم الأدواء وتصدروا للإفتاء بعد ما أحسنوا الانتقاد وبالغوا في الاجتهاد لم يقطعوا في الخلافيات بجواب وإن ظنوه الصواب وضموا عليه الإهاب، كدأب قوم لبهم في الجهل عريق، وقلبهم في الحمق غريق، نراهم يحتمون على الله في أحكامه ويقطعون في الشرع بما لم ينقطع عن إبهامه ولا انسلخ عن ظلامه، فنحن في زمن الحيرة وأيام النظرة. وأحكام الشرع إنما يستيقنها أهله وقوامه وعندهم الحق وبهم قوامه، وليس لنا إلا الاحتياط في الدين ومجانبة المجازفة والتخمين، فهذه وصيتي إلى المفتين.
وأوصي المستفتين أن لا يستفتوا من العلماء من هجيراه (2) المراء وأصحابه الملوك والأمراء، فهم جفاء وأمرهم جفاء (3) وأفئدتهم هواء، وصدورهم خواء، وعقولهم هباء، وهم الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا، وهم