وشئ آخر وهو أن القياس المستمر في السمعيات، على مذاهب خصومنا يوجب حظر ذبايح أهل الكتاب من قبل أن الاجماع حاصل على حظر ذبايح كفار العرب، وكانت العلة في ذلك كفرهم، وإن كانوا مقرين بالله عز وجل، فوجب حظر ذبايح اليهود والنصارى لمشاركتهم من ذكرناه في الكفر، وإن كانوا مقرين لفظا بالله جل اسمه على ما بيناه.
وشئ آخر وهو أنا وجمهور مخالفينا نرى إباحة من سها عن ذكر الله من المسلمين لما يعتقد عليه من النية من فرضها، فوجب أن يكون ذبيحة من أبى فرض التسمية محظورة، وإن تلفظ عليها بذكرها، وهذا مما لا محيص عنه.
فان قالوا فما تصنعون في قول الله عز وجل " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم " (1) وهذا صريح في إباحة ذبايح أهل الكتاب.
قيل له: قد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المعنى في هذه الآية من أهل الكتاب، من أسلم منهم وانتقل إلى الايمان، دون من أقام على الكفر والضلال، و ذلك أن المسلمين تجنبوا ذبايحهم بعد الاسلام كما كانوا يتجنبونها قبله، فأخبرهم الله تعالى بإباحتها، لتغير أحوالهم عما كانت عليه من الضلال.
قالوا: وليس بمنكر أن يسميهم الله أهل الكتاب وإن دانوا بالاسلام كما سمى أمثالهم من المنتقلين عن الذمة إلى الاسلام، حيث يقول " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب " (2) فأضافهم بالنسبة إلى الكتاب وإن كانوا على ملة الاسلام، فهكذا تسمى من أباح ذبيحته من المنتقلين عما لزمه، و إن كانوا على الحقيقة من أهل الايمان والاسلام.