وهذا عجب عجيب وإنما في حديث أبي سعيد إباحة الصوم في السفر ونحن لا ننكره تطوعا أو فرضا غير رمضان، ومما يبين هذا أنه لا يعلم أنه عليه السلام سافر في رمضان بعد عام الفتح * وأما خبر حمزة فبيان جلى في أنه إنما سأله عليه السلام عن التطوع لقوله في الخبر (انى امرؤ أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام (1)) فبطل كل ما تأولوه وبطل أن يكون لهم في شئ من هذه الأخبار حجة وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: فإذ لم يبق لهم حجة لامن قرآن ولا من سنة فلنذكر الآن (2) البراهين على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته.
قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وهذه آية محكمة باجماع من (3) أهل الاسلام لا منسوخة ولا مخصوصة، فصح أن الله تعالى لم يفرض صوم الشهر الا على من شهده، ولا فرض على المريض، والمسافر الا أياما أخر غير رمضان، وهذا نص جلى لا حيلة فيه، ولا يجوز لمن قال: إن ما معنى ذلك أن أفطرا فيه لأنها دعوى موضوعة بلا برهان، قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين).
نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد ابن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي نا جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم (4) فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب (5) فقيل له بعد ذلك: ان بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة (أولئك العصاة)) (6).
قال أبو محمد: إن كان صيامه عليه السلام لرمضان فقد نسخه بقوله: (أولئك العصاة) وصار الفطر فرضا والصوم معصية، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا أبدا، وإن كان صيامه عليه السلام تطوعا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان لرمضان في السفر، ومن طريق البخاري ومسلم.