فهذا أمر بقبولها وأمره عليه الصلاة والسلام فرض (1) فهي رخصة مفترضة، وصح بهذه الأخبار أن الله تعالى أسقط عن المسافر الصوم ونصف الصلاة وهذه آثار متواترة متظاهرة لم يأت شئ يعارضها فلا يجوز الخروج عنها، فان قيل: فان هذه الأخبار مانعة كلها بعمومها من كل صوم في السفر وأنتم تبيحون فيه كل صوم الا رمضان وحده قلنا: نعم لان النصوص جاءت بمثل ما قلنا لان الله تعالى قال: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) فافترض تعالى صوم الثلاثة الأيام في السفر ولابد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض على صوم عرفة ما سنذكره إن شاء الله تعالى وهو في السفر لمن كان حاجا، وقال عليه الصلاة والسلام: (ان أفضل الصيام صيام داود يصوم يوما ويفطر يوما (2)) فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص، وقال عليه الصلاة والسلام: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله النار عن وجهه) (3) فحض على الصوم في السفر فوجب الاخذ بجميع النصوص فخرج صوم رمضان في السفر بالمنع وحده وبقى سائر الصوم واجبه وتطوعه على جوازه في السفر ولا يجوز ترك نص لآخر.
وقال بعض أهل الجهل والجرأة على القول بالباطل في الدين: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر)) مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس المسكين بهذا الطواف).
قال أبو محمد: هذا تحريف للكم عن مواضعه، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقويل له ما لم يقل، وفاعل هذا يتبوأ مقعده من النار بنص قوله عليه السلام، وليس إذا وجد نص قد جاء آخر أو إجماع باخراجه عن ظاهره وجب أن تبطل جميع النصوص وتخرج عن ظواهرها فيحصل من فعل هذا على مذهب القرامطة في إحالة القرآن عن مفهومه وظاهره، ومن بلغ إلى ههنا فقد كفى خصمه مؤنته، ويقال له:
إذا قلت هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) فقله أيضا في قوله تعالى: (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولا فرق.
قال أبو محمد: ومن سلك هذا السبيل فقد أبطل الدين والعقل والتفاهم جملة، فان قيل:
فكيف تقولون في صومه عليه الصلاة والسلام مع قول الله تعالى (5) (فمن شهد منكم