ثم هبك أنها صحيحة فهو حجة لنا عليهم لان فيه ان آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الفطر هذا ان صح انه كان في رمضان، وفى حديث حماد بن سلمة المذكور، وحديث ابن عباس بيان انه كان في رمضان، وفيهما على أبي حنيفة، ومالك والشافعي أمر عظيم لأنهم لا يجيزون لمن صام وهو مسافر في رمضان أن يفطر في ذلك اليوم الذي ابتدأ صيامه، واتفقوا على أنه مخطئ وما يبعد عنهم إطلاق اسم المعصية عليه، ومالك يرى عليه الكفارة فلينظر ناصر أقوالهم (1) فيماذا يدخل في احتجاجه بهذين الخبرين من إطلاق اسم الخطأ والمعصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايجاب الكفارة عليه في إفطاره، وهذا خروج عن الاسلام ممن أقدم عليه. وأما نحن فنقول: لو صح أنه (2) عليه السلام كان صائما ينويه من رمضان لكان ذلك منسوخا بآخر أمره وآخر فعله وإذ لم يأت ذلك في شئ من الاخبار فيمكن أن يكون صام تطوعا والفطر للصائم تطوعا مباح مطلق لا كراهة فيه كما فعل عليه السلام.
والعجب كل العجب ممن يقول في الخبر الثابت (ان امرأة كانت تستعير الحلى وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها)): لعله إنما قطع يدها لغير ذلك، ويقول في الخبر الثابت (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره بإعادة الصلاة): لعله إنما أمره بالإعادة لغير ذلك ويقول في الخبر (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى ركعتي الفجر والصلاة تقام فقال له: باي صلاتيك تعتد)):
لعله إنما أنكر عليه أنه صلاهما بين الناس مكابرة للباطل: وفى الخبر منصوص أنه كان يصليهما ناحية، ثم لا يقول ههنا: لعله كان يصوم تطوعا، وههنا يجب أن يقال: هذا لأنه ليس في الاخبار دليل على غير ذلك وأما تلك الأخبار فليس منها شئ يحتمل ما تأولوه لان نصها يمنع من ذلك.
والعجب (3) ممن يحتج بقول أبي سعيد: (ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في إجازة ما ليس في الخبر منه أثر ولا عيثر (4) من إجازة الصوم لرمضان في السفر، وليس في الخبر أنه عليه السلام علم بذلك فأقره، وهم لا يرون قول أسماء: ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه حجة، ولا يرون قول ابن عباس: (ان طلاق الثلاث كانت تجعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة) حجة (5)