بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة الإمام مالك رضي الله عنه نسبه رضي الله عنه: هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث ويقال الأصبحي لما قاله أبو سهيل عم الإمام: نحن قوم من ذي أصبح، قدم جدنا المدينة فتزوج في التيميين فكان معهم ونسبنا إليهم. وعلى هذا يصح أن ينسب سيدنا مالك إلى التيميين أيضا فيقال تيمي. وأما والدته فهي الغالية بنت شريك بن عبد الرحمن الأزدية، وأما جده مالك فهو من كبار التابعين يروي عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت، وهو أحد الأربعة الذي حملوا سيدنا عثمان ليلا. ومن الرواة عنه ابنه أنس والد سيدنا مالك، وأما أبو عامر الجد الثاني للإمام فقد كان من كبار الصحابة فإنه شهد المغازي كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عدا بدرا، كذا قاله بعض المؤرخين. والصحيح أنه مخضرم من كبار التابعين كما ذكره الذهبي وتبعه ابن حجر في الإصابة.
وأما ميلاده رضي الله عنه: ففي تاريخ مولده اختلاف والمشهور أنه ولد سنة تسعين وقيل سنة ثلاث وقيل أربع وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع وتسعين من الهجرة. واختلف أيضا في مدة الحمل به فقيل كانت ثلاث سنين. قال ابن المنذر: وهو المعروف وقيل كانت سنتين.
وأما مبدأ طلبه العلم ومبلغ إقباله عليه: فقد قال الإمام رضي الله عنه قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم فقالت: تعال فالبس ثياب العلم فألبستني ثيابا مشمرة ووضعت الطويلة وهي شبيهة بالقلنسوة على رأسي وعممتني فوقها ثم قالت: اذهب فاكتب الان. قال رضي الله عنه: وكانت تقول اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه وهذا حال امرأة من فضليات النساء وصالحاتهن. وقال أيضا رضي الله عنه: كان لي أخ في سن ابن شهاب الزهري شيخ مالك بن أنس فألقى علينا مسألة فأصاب أخي وأخطأت فقال لي أبي: ألهتك الحمام عن طلب العلم. فغضبت وانقطعت إلى ابن هرمز وهو يروي عنه دائما بواسطة أبي الزناد سبع سنين وفي رواية ثمان سنين لم أخلطه بغيره وكنت أجعل في كمي تمرا وأناوله صبيانه وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا مشغول. وكلام والد سيدنا مالك هذا يشف عن حرص شديد على تعلم أبنائه وإذا كانت والدته ما وصف ووالده على ما ذكر فلا غرابة أن أن ينشأ ولدهما نشأته التي كانت من أعاجيب النشآت وحمله التمر لصبيان أستاذه ليصرفوا عنه الناس من أوضح الدلائل على حرصه على تفرغ شيخه له، وذلك من أكبر آيات الرغبة في طلب العلم. وكان يقول رضي الله عنه: إن كان الرجل ليختلف للرجل ثلاثين سنة يتعلم منه قال أصحابه فكنا نظن أنه يريد نفسه مع ابن هرمز. وكان ابن هرمز استخلفه أن لا يذكر اسمه في حديث ولعل هذا هو السر في توسيطه أبا الزناد بينه وبينه. وقال رضي الله عنه: كنت آتي ابن هرمز بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل. ومن عكف على طلب العلم ثلاثين سنة في صفاء ذهن الإمام وحرصه المتقدم يتلقى عن مثل ابن هرمز وهو هو إمامة وإحاطة بأسرار الشريعة غير غريب أن يصل إلى ما وصل إليه رضي الله عنه.
وأما مبلغ قوته الحافظة رضي الله عنه: فقد قال الإمام رضي الله عنه: حدثني أبن شهاب أربعين حديثا ونيفا منها حديث السقيفة فحفظتها ثم قلت: أعدها علي فإني نسيت النيف فأبى فقلت: أما كنت تحب أن يعاد عليك؟ قال: بلى. فأعاد فإذا هو كما حفظت. وقال أيضا رضي الله عنه: ساء حفظ الناس لقد كنت آتي سعيد بن المسيب وعروة والقاسم وأبا أسامة وحميدا وسالما وعد جماعة فأدور عليهم أسمع من كل واحد من الخمسين حديثا إلى المائة ثم أنصرف وقد حفظته كله من غير أن أخلط حديث هذا بحديث هذا. وعنه أيضا رضي الله عنه: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته. وهذه غاية في الحفظ ليس بعدها مطمع لاحد صدق الله العظيم إذ يقول (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) " الحجر: 9 " في ذلك العهد عهد الصحابة والتابعين