مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٨٢
إلى لفظ كما قاله في الكفاية تبعا للماوردي، لأن الفعل مع النية مغنيان هنا عن القول. ووجهه السبكي بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا، وإنما احتيج للفظ لاخراج ما كان ملكه عنه وصار للبناء حكم المسجد تبعا. قال الأسنوي: وقياس ذلك إجراؤه في غير المسجد أيضا من المدارس والربط وغيرها، وكلام الرافعي في إحياء الموات يدل له. والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قال: أذنت في الاعتكاف فيه صار مسجدا بذلك، لأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد بخلاف الصلاة. ثم لفظ الواقف ينقسم إلى صريح وكناية، وقد شرع في القسم الأول، فقال: (وصريحه) كأن يقول:
(وقفت كذا) على كذا، فإن لم يقل: على كذا لم يصح. (أو) يقول: (أرضي موقوفة عليه) لاشتهاره لغة وعرفا. وإنما قال: موقوفة لينبه على أنه لا فرق بين الفعل والمشتق منه. (والتسبيل والتحبيس صريحان) أيضا، أي المشتق منهما (على الصحيح) لتكررهما شرعا واشتهارهما عرفا، قاله المتولي، وما نقل عن الصحابة وقف إلا بهما. والثاني: هما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الوقف. (ولو قال: تصدقت بكذا صدقة محرمة أو) صدقة (موقوفة أو) صدقة (لا تباع ولا توهب فصريح في الأصح) المنصوص في الام، لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف، وهذا صريح بغيره، وما قبله صريح بنفسه. والثاني: هو كناية لاحتمال التمليك المحض.
تنبيه: قوله: كغيره ولا توهب بالواو محمول على التأكيد، وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره، وجزم به ابن الرفعة. واستشكل السبكي حكاية الخلاف في قوله: صدقة موقوفة مع جزمه أولا بصراحة أرضي موقوفة فكيف إذا اجتمع مع غيره يجئ الخلاف فضلا عن قوته. قال: ولولا وثوقي بخط المصنف والمنهاج عندي بخطه لكنت أتوهم أن مكان موقوفة مؤبدة كما ذكره أكثر الأصحاب تبعا للشافعي. قال ابن النقيب: لك الخلاف محكي من خارج لأن في صراحة لفظ الوقف وجها فطرد مع انضمامه لغيره لكنه ضعيف، أي فلا يناسب أن يعبر بالأصح. وقال غيره: إن موقوفة من طغيان القلم، ويكون القصد كتابة لفظة مؤبدة كما قاله الشافعي والجمهور، فسبق القلم إلى كتابة موقوفة. فإن قيل: لفظ التحريم كناية على الصحيح، والقاعدة أن الكناية إذا انضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد، كقوله: أنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا لا تخرج عن كونها كناية، فهلا كانت هذا كالطلاق أجيب بأن صرائح الطلاق محصورة بخلاف الوقف، وبأن قوله: بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا غير مختص بالطلاق بل يدخل فيه الفسوخ، والزائد في ألفاظ الوقف يختص بالوقف، وبأن قوله: تصدقت يقتضي زوال الملك، وله محملا : محمل الصدقة التي تحتمل الملك، ومحمل الصدقة التي هي الوقف، فالزائد يعين المحمل الثاني بخلاف الطلاق. (وقوله: تصدقت فقط ليس بصريح) في الوقف ولا يحصل به الوقف، (وإن نوى) الوقف، لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع، والصدقة الموقوفة. (إلا أن يضيف إلى جهة عامة) كالفقراء (وينوي) الوقف فيحصل بذلك. وظاهر هذا أنه يكون صريحا حينئذ. وظاهر كلام الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة عدم الصراحة، وإنما إضافته إلى الجهة العامة صيرته كناية حتى تعمل فيه النية، وهو كما قال الزركشي الصواب لأن الصريح لا يحتاج إلى نية. أما إذا أضيف إلى معنى واحد أو أكثر فلا يكون وقفا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح، وهو محض التمليك كما في الروضة وأصلها.
تنبيه: هذا كله كما قال الزركشي بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن فيصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى كما صرح به جمع: منهم ابن الصباغ وسليم و المتولي وغيرهم. (والأصح أن قوله حرمته) للفقراء مثلا، (أو أبدته) عليهم، (ليس بصريح) بل هو كناية، لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة. والثاني: هو صريح، لإفادة الغرض كالتسبيل، ويجري الخلاف أيضا فيما لو قال: حرمته وأبدته.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط في الوقف أن يقول أخرجته عن ملكي، وهو كذلك، وإن حكى الإمام فيه
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429