إلى لفظ كما قاله في الكفاية تبعا للماوردي، لأن الفعل مع النية مغنيان هنا عن القول. ووجهه السبكي بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا، وإنما احتيج للفظ لاخراج ما كان ملكه عنه وصار للبناء حكم المسجد تبعا. قال الأسنوي: وقياس ذلك إجراؤه في غير المسجد أيضا من المدارس والربط وغيرها، وكلام الرافعي في إحياء الموات يدل له. والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قال: أذنت في الاعتكاف فيه صار مسجدا بذلك، لأن الاعتكاف لا يصح إلا في مسجد بخلاف الصلاة. ثم لفظ الواقف ينقسم إلى صريح وكناية، وقد شرع في القسم الأول، فقال: (وصريحه) كأن يقول:
(وقفت كذا) على كذا، فإن لم يقل: على كذا لم يصح. (أو) يقول: (أرضي موقوفة عليه) لاشتهاره لغة وعرفا. وإنما قال: موقوفة لينبه على أنه لا فرق بين الفعل والمشتق منه. (والتسبيل والتحبيس صريحان) أيضا، أي المشتق منهما (على الصحيح) لتكررهما شرعا واشتهارهما عرفا، قاله المتولي، وما نقل عن الصحابة وقف إلا بهما. والثاني: هما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الوقف. (ولو قال: تصدقت بكذا صدقة محرمة أو) صدقة (موقوفة أو) صدقة (لا تباع ولا توهب فصريح في الأصح) المنصوص في الام، لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف، وهذا صريح بغيره، وما قبله صريح بنفسه. والثاني: هو كناية لاحتمال التمليك المحض.
تنبيه: قوله: كغيره ولا توهب بالواو محمول على التأكيد، وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره، وجزم به ابن الرفعة. واستشكل السبكي حكاية الخلاف في قوله: صدقة موقوفة مع جزمه أولا بصراحة أرضي موقوفة فكيف إذا اجتمع مع غيره يجئ الخلاف فضلا عن قوته. قال: ولولا وثوقي بخط المصنف والمنهاج عندي بخطه لكنت أتوهم أن مكان موقوفة مؤبدة كما ذكره أكثر الأصحاب تبعا للشافعي. قال ابن النقيب: لك الخلاف محكي من خارج لأن في صراحة لفظ الوقف وجها فطرد مع انضمامه لغيره لكنه ضعيف، أي فلا يناسب أن يعبر بالأصح. وقال غيره: إن موقوفة من طغيان القلم، ويكون القصد كتابة لفظة مؤبدة كما قاله الشافعي والجمهور، فسبق القلم إلى كتابة موقوفة. فإن قيل: لفظ التحريم كناية على الصحيح، والقاعدة أن الكناية إذا انضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد، كقوله: أنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا لا تخرج عن كونها كناية، فهلا كانت هذا كالطلاق أجيب بأن صرائح الطلاق محصورة بخلاف الوقف، وبأن قوله: بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا غير مختص بالطلاق بل يدخل فيه الفسوخ، والزائد في ألفاظ الوقف يختص بالوقف، وبأن قوله: تصدقت يقتضي زوال الملك، وله محملا : محمل الصدقة التي تحتمل الملك، ومحمل الصدقة التي هي الوقف، فالزائد يعين المحمل الثاني بخلاف الطلاق. (وقوله: تصدقت فقط ليس بصريح) في الوقف ولا يحصل به الوقف، (وإن نوى) الوقف، لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع، والصدقة الموقوفة. (إلا أن يضيف إلى جهة عامة) كالفقراء (وينوي) الوقف فيحصل بذلك. وظاهر هذا أنه يكون صريحا حينئذ. وظاهر كلام الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة عدم الصراحة، وإنما إضافته إلى الجهة العامة صيرته كناية حتى تعمل فيه النية، وهو كما قال الزركشي الصواب لأن الصريح لا يحتاج إلى نية. أما إذا أضيف إلى معنى واحد أو أكثر فلا يكون وقفا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح، وهو محض التمليك كما في الروضة وأصلها.
تنبيه: هذا كله كما قال الزركشي بالنسبة إلى الظاهر، أما في الباطن فيصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى كما صرح به جمع: منهم ابن الصباغ وسليم و المتولي وغيرهم. (والأصح أن قوله حرمته) للفقراء مثلا، (أو أبدته) عليهم، (ليس بصريح) بل هو كناية، لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة. والثاني: هو صريح، لإفادة الغرض كالتسبيل، ويجري الخلاف أيضا فيما لو قال: حرمته وأبدته.
تنبيه: أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط في الوقف أن يقول أخرجته عن ملكي، وهو كذلك، وإن حكى الإمام فيه