منه ولو لمسجد وإن لم يعتقده قربة اعتبارا باعتقادنا، وإن قال الواحدي لا يصح منه اعتبارا باعتقاده، وخرج الصبي والمجنون فلا يصح وقفهما. ودخل في قوله: (وأهلية التبرع) المبعض والمريض مرض الموت، ويعتبر وقفه من الثلث، وخرج المكاتب والمحجور عليه بسفه أو فلس ولو بمباشرة الولي، وهذا الشرط يغني عن الأول فإنه يلزم منه صحة العبارة. ولا بد أن يكون مختارا فلا يصح من مكره، ولا يعتبر كون الوقف معلوما للواقف فدل على صحة وقف ما لم يره، وهو ما صححه في زيادة الروضة تبعا لابن الصلاح وقال: لا خيار له إذا رآه، وعلى هذا يصح وقف الأعمى، وهو كذلك وإن لم يصرحوا به فيما علمت.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: وأهلية التبرع في الحياة فإن السفيه أهل للتبرع بعد الموت ومع ذلك لا يصح وقفه. نعم لو قال وقفت داري على الفقراء بعد موتي صح لأنه تخص وصيته. ثم شرع في شرط الركن الثاني، فقال: (و) شرط (الموقوف) مع كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل ويحصل منها فائدة أو منفعة يستأجر لها، (دوام الانتفاع به) انتفاعا مباحا مقصودا، فخرج بالعين المنفعة والوقف الملتزم في الذمة كما سيأتي، وبالمعينة وقف أحد داريه، وبالمملوكة ما لا يملك. واستثنى من اعتبار الملك وقف الإمام شيئا من أرض بيت المال، فإنه يصح كما صرح به القاضي حسين وإن توقف فيه السبكي، سواء أكان على معين أم جهة عامة، وأفتى به المصنف وأفتى به أبو سعيد بن أبي عصرون للسلطان نور الدين الشهيد متمسكا بوقف عمر رضي الله تعالى عنه سواد العراق، ونقله ابن الصلاح في فوائد حلته عن عشرة أو يزيدون ثم وافقهم على صحته، ونقل صاحب المطلب في باب قسم الفئ والغنيمة صحته عن النص، وفي الشرح والروضة: لو رأى الإمام وقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغيره، وبقبول النقل أم الولد والحمل فإنه لا يصح وقفه منفردا وإن صح عتقه. نعم إن وقف حاملا صح فيه تبعا لامه كما صرح به شيخنا في شرح الروض، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين. والمراد بالفائدة اللبن والثمرة ونحوهما، وبالمنفعة السكنى واللبس ونحوهما، وبيستأجر لها وبدوام الانتفاع الطعام ونحوه كما سيأتي، ويستثنى من ذلك وقف الفحل للضراب فإنه جائز ولا تجوز إجارته، ومن دوام الانتفاع المدبر والمعلق عتقه بصفة فإنه يصح وقفهما مع أنه يدوم النفع بهما لأنهما يعتقان بموت السيد ووجود الصفة ويبطل الوقف، وبمباحا وقف آلات الملاهي فلا يصح وقفهما وإن كان فيهما منفعة قائمة لأنها غير مباحة، وبمقصودا وقف الدراهم والدنانير للتزيين فإنه لا يصح على الأصح المنصوص.
تنبيه: يصح الوقف بالشروط المتقدمة وإن انتفى النفع حالا، كوقف عبد وجحش صغيرين وزمن يرجى برؤه، وكمن أجر أرضا ثم وقفها، وهذه حيلة لمن يريد إبقاء منفعة الشئ الموقوف لنفسه مدة بعد وقفة. (لا مطعوم وريحان) برفعهما، فلا يصح وقفهما ولا ما في معناهما لأن منفعة المطعوم في استهلاكه. وعلل في الروضة كأصلها عدم صحة وقف الريحان بسرعة فساده، وقضيته تخصيصه بالرياحين المحصورة، أما المزروعة فيصح وقفها للشم كما قال المصنف في شرح الوسيط إنه الظاهر لأنه يبقى مدة، وفيه منفعة أخرى وهي التنزه. وقال الخوارزمي وابن الصلاح: يصح وقف المشموم الدائم نفعه كالمسك والعنبر والعود. ويطلق الريحان على كل نبت رطب غض طيب الريح فيدخل الورد لريحه. (ويصح وقف عقار) من أرض أو دار بالاجماع، (و) وقف (منقول) كعبد وثوب، لقوله (ص): وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فإنه احتبس أدراعه وأعبده رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. وأعبده رواه المتولي بالباء الموحدة جمع عبد، وقال السبكي: الصواب أعتده بالتاء المثناة جمع عتاد، وهو كل ما أعده من السلاح والدواب كما قاله الخطابي وجماعة. واتفقت الأمة في الاعصار على وقفه الحصر والقناديل والزلالي في المساجد من غير نكير، (و) وقف (مشاع) من عقار أو منقول، لأن عمر رضي الله تعالى عنه وقف مائة سهم من خيبر مشاعا، رواه الشافعي. ولا يسري إلى الباقي لأنها من خواص العتق.