فيما إذا قال وقفت هذا لله أجيب بأن غالب الوصاية للمساكين فحمل الاطلاق عليه بخلاف الوقف، وبأن الوصية مبنية على المساهلة فتصح بالمجهول والنجس بخلاف الوقف. قال الأذرعي: ويشبه أنه لو نوى المصرف واعترف به صح ظاهرا، ونازعه الغزي في ذلك، فإنه لو قال: طلقت ونوى امرأته لا تطلق لأن النية إنما تصح فيما يحتمله اللفظ، وليس هنا لفظ يدل على المصرف أصلا اه. وهذا أظهر. ولو بين المصرف إجمالا كقوله: وقفت هذا على مسجد كذا كفى وصرف إلى مصالحه عند الجمهور، وإن قال القفال: لا يصح ما لم يبين الجهة فيقول على عمارته ونحوه. ثم شرع في الشرط الثالث، وهو التنجيز، فقال: (ولا يجوز تعليقه كقوله إذا جاء زيد فقد وقفت) كذا على كذا، لأنه عقد يقتضي نقل الملك في الحال لم يبن على التغليب والسراية فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والهبة.
تنبيه: محل الخلاف فيما لا يضاهي التحرير، أما ما يضاهيه ك جعلته مسجدا إذا جاء رمضان، فالظاهر صحته كما ذكره ابن الرفعة. ومحله أيضا ما لم يعلقه بالموت، فإن علقه به كقوله: وقفت داري بعد موتي على الفقراء فإنه يصح. قال الشيخان: وكأنه وصية لقول القفال إنه لو عرضها للبيع كان رجوعا. ولو نجز الوقف وعلق الاعطاء للموقوف عليه بالموت جاز كما نقله الزركشي عن القاضي الحسين، ولو قال: وقفته على من شئت أو فيما شئت وكان قد عين له ما شاء أو من يشاء عند وقفه صح وأخذ ببيانه، وإلا فلا يصح للجهالة. ولو قال: وقفته فيما شاء الله كان باطلا لأنه لا يعلم مشيئة الله تعالى.
ثم شرع في الشرط الرابع وهو الالزام فقال: (ولو وقف بشرط الخيار) لنفسه في إبقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه لغيره أو شرط عوده إليه بوجه ما، كأن شرط أن يبيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء. (بطل على الصحيح) قال الرافعي: كالعتق والهبة. قال السبكي: وما اقتضاه كلامه من بطلان العتق غير معروف، وأفتى القفال بأن العتق لا يبطل بذلك لأنه مبني على الغلبة والسراية. ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له.
تنبيه: كان الأولى التعبير بالأظهر، فإن الخلاف قولان منصوصان في البويطي. (والأصح أنه إذا وقف بشرط أن لا يؤجر) أصلا أو أن لا يؤجر أكثر من سنة صح الوقف، و (اتبع شرطه) كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة. والثاني:
لا يتبع شرطه، لأنه حجر على المستحق في المنفعة.
تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف حال الضرورة، كما لو شرط أن لا تؤجر الدار أكثر من سنة ثم انهدمت وليس لها جهة عمارة إلا بإجارة سنين، فإن ابن الصلاح أفتى بالجواز في عقود مستأنفة وإن شرط الواقف أن لا يستأنف لأن المنع في هذه الحالة يفضي إلى تعطيله، وهو مخالف لمصلحة الواقف. ووافقه السبكي والأذرعي إلا في اعتبار التقييد بعقود مستأنفة، فرداه عليه وقالا: ينبغي الجواز في عقد واحد. والذي ينبغي كما قال شيخنا ما أفتى به ابن الصلاح لأن الضرورة تتقدر بقدرها. ولو شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ست سنين، فإن كان في عقد واحد لم يصح في شئ منها ولا يخرج على تفريق الصفقة كما مرت الإشارة إليه في فصلها، وإذا أجر ثلاث سنين ثم الثلاث الاخر قبل انقضاء الأولى لم يصح العقد الثاني كما أفتى به ابن الصلاح. وإن فرعنا على الأصح أن إجارة المدة المستقبلة من المستأجر صحيحة اتباعا لشرط الواقف، فإن المدتين المتصلتين كالمدة الواحدة، وإنما أبطلناه في الثاني دون الأول لانفراده. ولو شرط في وقفه أن لا يؤجر من متجره ونحو ذلك مما يكتب في كتب الأوقاف اتبع شرطه، قاله الأذرعي، قال: ولم أره نصا اه. وهو ظاهر، والظاهر كما في المطلب أن للموقوف عليه الاعراب. (و) الأصح (أنه إذا شرط) ابتداء (في وقف المسجد) بأن وقف شخص مكانا مسجدا وشرط فيه (اختصاصه بطائفة كالشافعية اختص) بهم، أي اتبع شرطه كما في المحرر كالروضة وأصلها، فلا يصلي ولا يعتكف فيه غيرهم. (كالمدرسة والرباط) إذا شرط في وقفهما اختصاصهما بطائفة اختصا بهم جزما. والثاني: لا يختص المسجد بهم، لأن جعل البقعة مسجدا كالتحرير فلا معنى لاختصاصه بجماعة. ولو خص