وجهان، أصحهما كما قال البغوي لا يبرأ، لأن الأصل عدم القبض. وإنما قبلنا قول الوكيل في حقه لائتمانه إياه، وعلى نقل هذا اقتصر الرافعي في الشرح الصغير، ورجح الوجه الآخر الإمام، ونقله ابن الرفعة عن القاضي حسين، وصححه الغزالي في بسيطه. ولو قال الموكل للوكيل: قبضت الثمن فادفعه إلي، فقال الوكيل: لم أقبضه صدق الوكيل بيمينه، وليس للموكل مطالبة المشتري به لاعترافه ببراءة ذمته، ولا مطالبة الوكيل بعد حلفه إلا إن سلم الوكيل المبيع بلا إذن فإنه يغرم للموكل قيمة المبيع للحيلولة لاعترافه بالتعدي بتسليمه قبل القبض، فلا يشكل بكون القيمة أكثر من الثمن الذي لا يستحق غيره. (ولو) دفع إلى شخص مالا، و (وكله بقضاء دين) عليه (فقال قضيته) به (وأنكر المستحق) قضاءه، (صدق المستحق بيمينه) لأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، ولان الموكل لو ادعى القضاء لم يصدق، لأن الأصل عدم القضاء فكذا نائبه. وإذا حلف المستحق طالب الموكل بحقه لا الوكيل. (والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة) أو شاهد ويحلف معه، لأنه وكله في الدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الاشهاد عليه، وعلى هذا فيأتي فيه ما سبق في رجوع الضامن من الاكتفاء بالمستور وبالواحد ومن التفصيل بالأداء بين الحضرة والغيبة وقبول قول الموكل بيمينه في أنه لم يحضر وغير ذلك مما مر. والثاني: يصدق عليه، لأن الموكل قد ائتمنه فأشبه ما لو ادعى الرد عليه. (وقيم اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ) والرشد، (يحتاج إلى بينة على الصحيح) لأنه لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه، وكذا ولي السفيه إذا ادعى الدفع إليه بعد رشده، ويخالف ذلك الانفاق لأنه يعسر إقامة البينة عليه. والثاني: يقبل قوله مع يمينه لأنه أمين، فأشبه المودع. وأما الوصي فقد ذكره المصنف في آخر الوصية وجزم فيه بأنه لا يصدق. قال الأسنوي: ولو عكس المصنف كما فعل الماوردي لجزم في القيم بعدم التصديق وتردد في الوصي لكان أولى، لأن الوصي أقرب إلى التصديق، لأن الأب أو الجد أقامه مقام نفسه اه. ورد عليه بأن ما فعله المصنف أولى لأن القيم في معنى القاضي فكان أعلى مرتبة وأقرب إلى التصديق.
وهذا الرد مردود لأن الأب والجد أعلى مرتبة من القاضي.
تنبيه: مراد المصنف بقيم اليتيم كما قاله الأسنوي منصوب القاضي فقط، وهو اصطلاح الإمام والرافعي وغيرهما، خلافا لابن الملقن في قوله: وهو من قوم بأمره أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما، إذ لا يتم مع الأب والجد في معناه.
وعلى هذا لم يتعرض الشيخان للأب والجد، والمشهور فيهما كما قاله في المطلب عدم القبول أيضا، وإن جزم السبكي بقبول قولهما تبعا للماوردي. وقضية كلام الحاوي أن الحاكم كالأب، وألحقه أبو الطيب بالوصي، وهو قضية كلام التنبيه.
قال الأذرعي: وعلى تقدير أن يقبل قوله، فيجب أن يكون ذلك في القاضي العدل الأمين كما ذكره الأصحاب في باب الوديعة، بل لا يجوز لغير الأمين وضع يده على مال اليتيم ونحوه اه. والمجنون كاليتيم والإفاقة كالبلوغ. (وليس لوكيل ولا مودع) ولا غيرهما ممن يقبل قوله في الرد كالشريك وعامل الغراض (أن يقول بعد طلب المالك) ماله (لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح) لأن قوله في الرد مقبول بيمينه فلا حاجة إليه. والثاني: له ذلك حتى لا يحتاج إلى يمين، فإن الامناء يحترزون عنها ما أمكنهم. (وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد ذلك) أي التأخير إلى الاشهاد كما أشار إليه المصنف من عدم قبول قوله سواء أكان عليه بينة بالأخذ أم لا، وقيل: إن لم يكن عليه بينة بالأخذ ليس له طلب الاشهاد لتمكنه من أن يقول ليس له عندي شئ ويحلف عليه. ورد بأنه ربما رفعه إلى قاض يرى الاستفصال كالمالكي فيسأله هل هو غصب أو لا؟ فإن قيل التوبة واجبة على الفور من الغصب، وهي لا تحصل إلا برد المغصوب، فكيف يجوز التأخير لطلب الاشهاد؟ أجيب بأن ذلك لأجل الضرورة لأنه ربما طولب به ثانيا.