قال الزركشي: وفيه نظر اه. والظاهر أنه لا يجوز نظير ما في التفريق بالفسخ وتقدم فيه خلاف. وتقدم في الرد بالعيب أن الحمل الحادث بعد الشراء كالمنفصل، فيكون الحادث هنا بعد التملك للملتقط. (وإن) جاء المالك وقد (تلفت) تلك اللقطة حسا أو شرعا بعد التملك (غرم مثلها) إن كانت مثلية (أو قيمتها) إن كانت متقومة، لأنه تمليك يتعلق به العوض فأشبه البيع، والقيمة تعتبر (يوم التملك) لها لأنه يوم دخول العين في ضمانه، وقيل: يوم المطالبة بها.
تنبيه: قال ابن الرفعة: وقضية قولهم إنه يملك اللقطة كملك القرض أن يكون الواجب فيما له مثل صوري رد المثل في الأصح. قال الأذرعي: ولا يبعد الفرق بين البابين اه. ولعل الفرق أن المالك في القرض دفع ماله باختياره فنفسه مطمئنة على أن المقترض يرد له مثل ما أخذ. وأما اللقطة فالقيمة فيها قد تكون في يوم التملك أكثر من قيمة المردود فيفوت ذلك على المالك فيتضرر به، وحينئذ يظهر أن الفرق بين البابين أظهر. ولو قال الملتقط للمالك بعد التلف: كنت أمسكتها لك، وقلنا بالأصح أنه لا يملكها إلا باختيار التملك لم يضمنها، وكذا لو قال: لم أقصد شيئا، فإن كذبه المالك في ذلك صدق الملتقط بيمينه لأن الأصل براءة ذمته. أما التلف قبل التملك من غير تفريط فلا ضمان فيه على الملتقط كالمودع، ولو عين الملتقط البدل عند إباحة إتلاف اللقطة كأكل الشاة الملتقطة في المفازة فتلفت سقط حق المالك بتلف القيمة، أي والمثل للصورة كما نقله الرافعي في الكلام على الطعام عن نص الأصحاب. هذا كله في المملوك، أما الاختصاصات كالخمر المحترمة والكلب النافع فلا يضمن أعيانها ولا منافعها. (وإن) جاء وقد (نقصت بعيب) أو نحوه حدث بعد تملكها، (فله) أي مالكها (أخذها مع الأرش في الأصح) لأن الكل مضمون فكذا البعض، لأن الأصل المقرر أن ما ضمن كله بالتلف ضمن بعضه عند النقص. ولم يخرج عن هذا إلا مسألة الشاة المعجلة فإنها تضمن بالتلف، وإن نقصت لم يجب أرشها.
والثاني: لا أرش له وله على الوجهين الرجوع إلى بدلها سليمة. ولو أراد المالك بدلها وقال الملتقط أضم إليها الأرش وأردها أجيب الملتقط على الأصح. (وإذا ادعاها رجل) مثلا (ولم يصفها) بصفاتها السابقة (ولا بينة) له بها مما يثبت بها الملك كالشاهد واليمين ولم يعلم الملتقط أنها له، (لم تدفع إليه) لحديث: لو أعطي الناس بدعواهم الحديث، فإن أقام بينة بذلك عند الحاكم كما قاله في الكفاية ولا يكفي إخبارها للملتقط أو علم أنها له، وجب عليه دفعها إليه وعليه العهدة لا إن ألزمه بتسليمها بالوصف حاكم، (وإذا وصفها) مدعيها، وهو واحد بما يحيط بجميع صفاتها، (وظن ملتقطها صدقه جاز) له (الدفع إليه) جزما عملا بظنه، بل نص الشافعي على استحبابه. (ولا يجب على المذهب) لأنه مدع يحتاج إلى بينة كغيره.
وفي وجه من الطريق الثاني يجب، لأن إقامة البينة عليها قد تعسر. أما إذا وصفها جماعة، فقال القاضي أبو الطيب: أجمعنا على أنها لا تسلم إليهم. ولو ادعاها اثنان وأقام كل منهما بينة بأنها له تعارضتا.
تنبيه: احترز بقوله: وظن صدقة عما إذا لم يغلب على الظن صدقة فإنه لا يجب الدفع اتفاقا ولا يجوز على المشهور.
ولو تلف اللقطة فشهدت البينة على وصفها ثبتت ودفع إليه بدلها كما حكاه ابن كج عن النص، ولو قال له المالك: تعلم أنها لي فله أن يحلف أنه لا يعلم ذلك، قاله الرافعي. (فإن دفع) اللقطة لواصفها بمجرد الوصف من غير إجبار حاكم يراه، (فأقام آخر بينة بها) أي بأنها ملكه، وأنها لا تعلم أنها انتقلت منه كما قاله الشيخ أبو حامد وغيره، (حولت) من الأول (إليه) لأن البينة حجة توجب الدفع فقدمت على الوصف المجرد. (فإن تلفت عنده) أي الواصف للقطة، (فلصاحب البينة) بأن اللقطة له (تضمين الملتقط) لأنه سلم ما لم يكن له تسليمه، أما إذا ألزمه بالدفع حاكم يراه فلا ضمان عليه