مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٤٠٥
الهبة يقتضي التبرع (ويكون بيعا على الصحيح) نظرا إلى المعنى، فعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع من الشفعة والخيارين وغيرهما. قال في التنقيح: بلا خلاف، وغلط الغزالي في إشارته إلى خلاف فيه اه‍. وما صححاه في باب الخيار من أنه لا خيار في الهبة ذات الثواب مبني على أنها ليست ببيع كما مرت الإشارة إليه هناك. والثاني: يكون هبة نظرا إلى اللفظ فلا يلزم قبل القبض. (أو) بشرط ثواب (مجهول) كوهبتك هذا العبد بثوب، (فالمذهب بطلانه) أي العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض، ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه، وقيل: يصح هبة بناء على أنها تقتضيه.
تنبيه: لو قا المتهب للواهب: وهبتني بلا ثواب، وقال الواهب: بل بثواب صدق المتهب لأنهما اتفقا على أنه ملكه، والأصل عدم ذكر البدل. (ولو بعث) شخص لآخر (هدية في ظرف) وهو الدعاء (فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر) وهي بتشديد الراء على الأفصح: وعاء التمر، ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي زنبيل. (فهو) أي الظرف (هدية أيضا) تحكيما للعرف المطرد، ومثله علب الحلواء والفاكهة ونحوهما. (وإلا) بأن جرت العادة برد الظرف أو اضطربت كما هو قضية كلام ابن المقري، (فلا) يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة. قال الأذرعي: ويشبه أن تختلف العادة في رد الظروف باختلاف طبقات الناس وعادة البلاد وما يحمل منها إلى البلاد البعيدة دون مهاداة أهل البلد، وكذا الاهداء إلى الملوك، ولا سيما ما يحمل إليهم من النواحي البعيدة، فإن العادة أن لا ترد ظروفه. والحاصل أنه يعتبر في كل ناحية عرفها، وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم.
تنبيه: ألحق المتولي بذلك الكتاب الذي يكتبه الانسان لصاحبه: أي سواء كان غائبا أم حاضرا، فإن المكتوب إليه يملكه، فإنه هدية إلا أن يكتب فيه أن اكتب لي الجواب على ظهره، فإنه لا يملكه ويلزمه رده إليه. (و) إذا لم يكن الظرف هدية (يحرم استعماله) لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه، (إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة) عملا بها، ويكون عارية حينئذ. قال القاضي: ويستحب له رده حالا لخبر: استبقوا الهدايا برد الظروف. قال الأذرعي: والاستحباب المذكور حسن، وفي جواز حبسه بعد تفريغه نظر إلا أن يعلم رضا المهدى به. وهل يكون إبقاؤها فيه مع إمكان تفريغه على العادة مضمنا، لأنه استعمال غير مأذون فيه لا لفظا ولا عرفا أم لا؟ في كلام القاضي ما يفهم الأول وهو محل نظر.
وأما الخبر المذكور فلا أعرف له أصلا. ولو خلص شخص آخر من يد ظالم ثم أنفذ إليه شيئا هل يكون رشوة أو هدية؟
قال القفال في فتاويه: ينظر إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته بأن لا ينقض ذلك بحال كان هبة.
خاتمة: أفضل البر بر الوالدين بالاحسان إليهما وفعل ما يسرهما من الطاعة لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه، قال تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * ومن برهما الاحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه. ومن الكبائر عقوق كل منهما وهو أن يؤديه أذى ليس بالهين ما لم يكن ما أذاه به واجبا. قال الغزالي:
وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للاكل منه فليتلطف في الامتناع، فإن عجز فليأكل ويقلل بتصغير اللقمة وتطويل المضغة، قال: وكذا إذا ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب، ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته. وصلة القرابة، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به وأصلا مأمور بها، وتحصل بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك، ويتأكد استحبا ب وفاء العهد كما يتأكد كراهة إخلافه.
ويكره للانسان أن يشتري ما وهبه من الموهوب له، قال في الاحياء: لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالا في ملا من الناس فاستحيا منهم، ولو كان في خلوة ما أعطاه له فوهبه منه على ذلك لم يحل كالمصادر، وكذا كل من وهب له شئ لاتقاء شره أو سعايته. قال البيهقي في شعبه عن عمار بن ياسر: كان النبي (ص) لا يأكل من هدية
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429