الهبة يقتضي التبرع (ويكون بيعا على الصحيح) نظرا إلى المعنى، فعلى هذا تثبت فيه أحكام البيع من الشفعة والخيارين وغيرهما. قال في التنقيح: بلا خلاف، وغلط الغزالي في إشارته إلى خلاف فيه اه. وما صححاه في باب الخيار من أنه لا خيار في الهبة ذات الثواب مبني على أنها ليست ببيع كما مرت الإشارة إليه هناك. والثاني: يكون هبة نظرا إلى اللفظ فلا يلزم قبل القبض. (أو) بشرط ثواب (مجهول) كوهبتك هذا العبد بثوب، (فالمذهب بطلانه) أي العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة العوض، ولتعذر صحته هبة لذكر الثواب بناء على أنها لا تقتضيه، وقيل: يصح هبة بناء على أنها تقتضيه.
تنبيه: لو قا المتهب للواهب: وهبتني بلا ثواب، وقال الواهب: بل بثواب صدق المتهب لأنهما اتفقا على أنه ملكه، والأصل عدم ذكر البدل. (ولو بعث) شخص لآخر (هدية في ظرف) وهو الدعاء (فإن لم تجر العادة برده كقوصرة تمر) وهي بتشديد الراء على الأفصح: وعاء التمر، ولا تسمى بذلك إلا وفيها التمر وإلا فهي زنبيل. (فهو) أي الظرف (هدية أيضا) تحكيما للعرف المطرد، ومثله علب الحلواء والفاكهة ونحوهما. (وإلا) بأن جرت العادة برد الظرف أو اضطربت كما هو قضية كلام ابن المقري، (فلا) يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة. قال الأذرعي: ويشبه أن تختلف العادة في رد الظروف باختلاف طبقات الناس وعادة البلاد وما يحمل منها إلى البلاد البعيدة دون مهاداة أهل البلد، وكذا الاهداء إلى الملوك، ولا سيما ما يحمل إليهم من النواحي البعيدة، فإن العادة أن لا ترد ظروفه. والحاصل أنه يعتبر في كل ناحية عرفها، وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم.
تنبيه: ألحق المتولي بذلك الكتاب الذي يكتبه الانسان لصاحبه: أي سواء كان غائبا أم حاضرا، فإن المكتوب إليه يملكه، فإنه هدية إلا أن يكتب فيه أن اكتب لي الجواب على ظهره، فإنه لا يملكه ويلزمه رده إليه. (و) إذا لم يكن الظرف هدية (يحرم استعماله) لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه، (إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة) عملا بها، ويكون عارية حينئذ. قال القاضي: ويستحب له رده حالا لخبر: استبقوا الهدايا برد الظروف. قال الأذرعي: والاستحباب المذكور حسن، وفي جواز حبسه بعد تفريغه نظر إلا أن يعلم رضا المهدى به. وهل يكون إبقاؤها فيه مع إمكان تفريغه على العادة مضمنا، لأنه استعمال غير مأذون فيه لا لفظا ولا عرفا أم لا؟ في كلام القاضي ما يفهم الأول وهو محل نظر.
وأما الخبر المذكور فلا أعرف له أصلا. ولو خلص شخص آخر من يد ظالم ثم أنفذ إليه شيئا هل يكون رشوة أو هدية؟
قال القفال في فتاويه: ينظر إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته بأن لا ينقض ذلك بحال كان هبة.
خاتمة: أفضل البر بر الوالدين بالاحسان إليهما وفعل ما يسرهما من الطاعة لله تعالى وغيرها مما ليس بمنهي عنه، قال تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * ومن برهما الاحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه. ومن الكبائر عقوق كل منهما وهو أن يؤديه أذى ليس بالهين ما لم يكن ما أذاه به واجبا. قال الغزالي:
وإذا كان في مال أحد أبويه شبهة ودعاه للاكل منه فليتلطف في الامتناع، فإن عجز فليأكل ويقلل بتصغير اللقمة وتطويل المضغة، قال: وكذا إذا ألبسه ثوبا من شبهة وكان يتأذى برده فليقبله وليلبسه بين يديه وينزعه إذا غاب، ويجتهد أن لا يصلي فيه إلا بحضرته. وصلة القرابة، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به وأصلا مأمور بها، وتحصل بالمال وقضاء الحوائج والزيارة والمكاتبة والمراسلة بالسلام ونحو ذلك، ويتأكد استحبا ب وفاء العهد كما يتأكد كراهة إخلافه.
ويكره للانسان أن يشتري ما وهبه من الموهوب له، قال في الاحياء: لو طلب إنسان من غيره أن يهبه مالا في ملا من الناس فاستحيا منهم، ولو كان في خلوة ما أعطاه له فوهبه منه على ذلك لم يحل كالمصادر، وكذا كل من وهب له شئ لاتقاء شره أو سعايته. قال البيهقي في شعبه عن عمار بن ياسر: كان النبي (ص) لا يأكل من هدية