ملكا للموقوف عليه لكنها لاتباع ولا توهب بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وصحح هذا ابن الرفعة والقمولي وجرى عليه ابن المقري في روضه ونقل أصله عن اختيار المتولي. ولكن اقتصار المصنف على ما ذكره كالحاوي الصغير يقتضي أنها لا تصير ملكا بحال، قال شيخنا: وهو المعتمد الموافق للدليل وكلام الجمهور اه. والأول أوجه. فإن قيل:
يلزم عليه التنافي، إذ القول بأن الوقف لا يبطل ويعود ملكا متنافيان. أجيب بأن معنى عوده ملكا أنه ينتفع به ولو باستهلاك عينه كالاحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل ما يفعل بسائر الاملاك من بيع ونحوه كما مر، وإذا كان كذلك فلا تنافي بين بقاء الوقف وعوده ملكا، بل قيل: إن الموقوف ملك للموقوف عليه في حال الانتفاع به. ولو كان البناء والغراس موقوفا في أر ض مستأجرة وصار الريع لا يفي بالأجرة أو يفي بها فقط، أفتى ابن الأستاذ بأنه يلتحق بما لا ينتفع به إلا باستهلاكه، أي بإحراق ونحوه، فيقلع وينتفع بعينه إن أمكن وإلا صرف إلى الموقوف عليه اه. وهذا مما يؤيد ما مر. ثم قال: وإن كان الغراس مما ينتفع بعينه بعد القلع وانتهت مدة الإجارة واختار المؤجر قلعه، فيظهر عدم صحة الواقف ابتداء اه. وهذا ممنوع لما مر أنه يصح وقف الرياحين المغروسة، وعلل بأنها تبقى مدة. ولو اشترى بناء على أرض محتكرة ولم يستأجرها ثم وقف البناء، قال الزركشي: فالظاهر أنه إن كان ثم ريع وجبت منه الأجرة وإلا لم يلزم الواقف أجرة لما بعد الوقف، وللمالك مطالبته بالتفريغ اه. وإذا قلع يأتي فيه التفصيل المتقدم. وإذا انقلعت أشجار الموقوف أو انهدم بناؤه أجرت أرضه لما لا يراد دوامه كزرعها ولما يراد كغرس وشرط قلعه عند انتهاء المدة وغرست الأرض أو بنيت بأجرتها الحاصلة بإيجارها بعد انقضاء مدة الإجارة. (والأصح جواز بيع حصر المسجد) الموقوفة (إذا بليت وجذوعه إذا انكسرت) أو أشرفت على ذلك كما في الروضة وأصلها، ولو اقتصر عليه المصنف لفهم حكم المنكسر بطريق الأولى. (ولم تصلح إلا للاحراق) لئلا تضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة، فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل بذلك تحت بيع الوقف، لأنها صارت في حكم المعدومة. وهذا ما جرى عليه الشيخان، وهو المعتمد، وعلى هذا يصرف ثمنها في مصالح المسجد. قال الرافعي:
والقياس أن يشترى بثمن الحصير حصير لا غيرها، قال: ويشبه أنه مرادهم اه. وهو ظاهر إن أمكن وإلا فالأول. وكالحصر في ذلك نحاتة الخشب وأستار الكعبة إذا لم يبق فيها نفع ولا جمال. والثاني: لا يباع ما ذكر إدامة للوقف في عينه، ولأنه يمكن الانتفاع به في طبخ جص أو آجر. قال السبكي: وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام آجرة وقد تقوم النحاتة مقام التراب ويختلط به. قال الأذرعي: ولعله أراد مقام التبن الذي يستعمل في الطين، وجرى على هذا جمع من المتأخرين. وأجاب الأول بأنه لا نظر لامكان الانتفاع في هذه الأمور، لأن ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض المساجد فضلا عن جميعها. أما الحصر الموهوبة أو المشتراة للمسجد فإنها تباع للحاجة. واحترز بقوله: إلا للاحراق عما إذا أمكن أن يتخذ منها ألواح وأبواب فلا تباع قطعا.
تنبيه: جدار الدار الموقوفة المنهدم إذا تعذر بناؤه كالتالف فيأتي فيه ما مر. (ولو انهدم مسجد وتعذرت إعادته) أو تعطل بخراب البلد مثلا، (لم) يعد ملكا ولم (يبع بحال) كالعبد إذا عتق ثم زمن ولم ينقض إن لم يخف عليه لامكان الصلاة فيه ولامكان عوده كما كان، قال المتولي: وتصرف غلة وقفه لأقرب المساجد إليه: أي إذا لم يتوقع عوده والا حفظ كما قاله الإمام وهذا أولى من قول الماوردي: تصرف إلى الفقراء والمساكين. ومن قول الروياني أنه كمنقطع الاخر فإن خيف عليه نقص وبنى الحاكم بنقضه مسجدا آخر ان رآى ذلك والا حفضه وبنائه بقربه أولى ولا يبنى به بئرا كما لا يبنى بنقض بئر خربت مسجدا بل بئر أخرى مراعاة لغرض ما أمكن ولو وقف على قنطرة وانخرق الوادي وتعطلت القنطرة واحتيج إلى قنطرة أخرى جاز نقلها إلى محل الحاجة وغلة وقف الثغر وهو الطرف الملاصق من بلادنا بلاد الكفار إذا حصل فيه الامن بحفظه النادر لاحتمال عوده ثغرا ويدخر من زائد غلة المسجد