إسكان هذه الدار لفقير فله أن يسكنها من شاء من الفقراء، وإذا سكنها فقير مدة فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير مصلحة وليس تعيينه لذلك يصيره كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره وبسط في ذلك - فإن قيل في زوائد الروضة قبيل باب القسمة عن الماوردي أنه إذا أراد ولى الامر إسقاط بعض الأجناد المثبتين في الديوان بسبب جاز، أو بغير سبب فلا وإذا كان هذا في النظر العام ففي النظر الخاص المقتضى للاحتياط أولي. أجيب بأن الأجناد المثبتين في الديوان قد ربطوا أنفسهم على الجهاد، وهو من فروض الكفايات، ومن شرع فيه أو ربط نفسه عليه لا يجوز إخراجه بغير سبب بخلاف الوقف فإنه خارج عن فروض الكفايات. وقال البلقيني: عزل الناظر للمدرس من غير طريق مسوغ لا ينفذ ويكون قادحا في نظره. وقال الزركشي في خادمه: لا يبعد أن ينفد وإن كان عزله غير جائز وقال في شرحه على المنهاج في باب القضاء: لا ينعزل أصحاب الوظائف الخاصة كالإمامة والأقراء والتصوف والتدريس والطلب والنظر من غير سبب كما أفتى به كثير من المتأخرين منهم ابن رزين، فقال: من تولي تدريسا لا يجوز عزله بمثله ولا بدونه ولا ينعزل بذلك اه وهذا هو الظاهر، ثم استثنى المصنف من جواز العزل قوله (إلا أن يشرط) الواقف لشخص (نظره حال الوقف) فليس له عزله ولو لمصلحة لأنه لا تغيير لما شرط كما ليس لغيره ذلك، ولأنه لا نظر له حينئذ وليس له عزل من شرط تدريسه أو فوض إليه حال الوقف ولو لمصلحة، كما لو وقف على أولاده الفقراء لا يجوز تبديلهم بالأغنياء، بخلاف من جعل له ذلك بعد تمام الوقف فإن له عزله كما نقله الشيخان عن فتاوى البغوي وأقراه، لكن ينبغي كما قال شيخنا تقييده في تفويض التدريس بما إذا كانت جنحة، ولو عزل الناظر بالشرط نفسه أو فسق فتولية غيره إلى الحاكم لا إلى الواقف، إذ لا نظر له بعد أن جعل النظر في حال الوقف لغيره، فإن شرط النظر حال الوقف لزيد بعد انتقال الوقف من عمرو إلى الفقراء، فعزل زيد نفسه من النظر، أو استناب فيه غيره قبل انتقال الوقف من عمرو إلى الفقراء، لم يصح العزل ولا الاستنابة، لأنه غير ناظر في الحال، ولا يملك الوقاف عزل زيد في الحال ولا من بعده كما علم مما مر (وإذا أجر الناظر) لاعين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثله (فزادت الأجرة في المدة أو ظهر طالب بالزيادة) عليها (لم ينفسخ العقد في الأصح) لأن العقد قد جرى بالغبطة في وقه فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل ثم ارتفعت القيم بالأسواق، أو ظهر طالب بالزيادة. والثاني ينفسخ إذا كان للزيادة وقع والطلب ثقة لتبين وقوعه على خلاف الغبطة. أما إذا أجر العين الموقوفة عليه فإنه يصح قطعا ولو بدون أجرة المثل كما لو أجر المطلق به أو أجر الناظر الموقوف على غيره بدون أجرة المثل فإنه لا يصح قطعا، وأفتى ابن الصلاح فيما إذا أجر الناظر الوقف مدة معلومة بأجرة معلومة وشهد شاهدان أنها أجرة المثل حالة العقد، ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل أنه يتبين بطلان العقد، ويتبين خطأ الشاهدين بأجرة المثل، لأن تقويم المنافع في مدة ممتدة، إنما يصح إذا استمر الحال الموجودة حالة التقويم التي هي حالة العقد وليس هذا التقويم كتقويم السعلة الحاضرة. قال الأذرعي: وهذا مشكل جدا، والذي يقع في النفس إنما ينظر إلى أجرة المثل التي تنتهى إلهيا الرغبات حالة العقد في جميع المدة المعقود عليها مع قطع النظر عما عساه يتجدد لأن ذلك يؤدى إلى سد باب إجارة الأوقاف والزهادة فيها لأن الدنيا لا تبقى على حالة واحدة وأطال في رد ذلك وما قاله لاخفاء فيه.
(خاتمة) نفقة الموقوف ومؤن تجهيزه وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو من ماله الوقف، وإلا فمن منافع الموقوف، ككسب العبد وغلة العقار، فإذا تعطلت منافعه فالنفقة ومؤن التجهيز لا العمارة في بيت المال، ولو اندرس شرط الواقف وجهل الترتيب بين أرباب الوقف أو المقادير، بأن لم يعلم هل سوى الواقف بينهم أو فاضل قسمت اللغة بينهم بالسوية لعدم الأولوية، وإذا تنازعوا في شرط ولا بينة، ولأحدهم يد صدق بيمينه لاعتضاد دعواه باليد فإن كان الواقف حيا عمل بقوله بلا يمين، أو ميتا فوارثه، فإن لم يكن فناظره من جهة الواقف لا المنصوب من جهة