مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ٣٩٧
الهبة، وبالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت، وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوهما.
وكان الأولى في تعريف الهبة كما في الحاوي الصغير: الهبة تمليك إلخ، فإن الهبة هي المحدث عنها. فإن قيل: يرد على حصر الهبة في التمليك ما لو أهدى إلى غني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه، وما لو وقف شيئا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة. أجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه، بل فيه تمليك، لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما يعلم من باب الأضحية، وعن الثاني بأنه تمليك منفعة، وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان.
تنبيه: قضية كلامه أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود الأعيان العوضية، وبه صرح الزبيري. ثم قسم التمليك المذكور إلى الصدقة والهدية بقوله: (فإن ملك) بلا عوض (محتاجا) شيئا (لثواب الآخرة) أي لأجلها، (فصدقة) أي فلا بد من اجتماع الامرين. والتحقيق كما قال السبكي أخذا من كلام المجموع وغيره أن الحاجة غير معتبرة، قال السبكي: فينبغي أن يقتصر على أحد الامرين: إما الحاجة أو قصد ثواب الآخرة، فإن الصدقة على الغنى جائزة، ويثاب عليها إذا قصد القربة، فخرج بذلك ما لو ملك غنيا من غير قصد ثوب الآخرة. (فإن نقله) بنفسه أو بغيره مع قصد الثواب (إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية) أيضا، أو بدون قصد الثواب فهدية فقط، ولهذا قال في المحرر: وإن نقله، بالواو، وهي أولى، فإن الفاء توهم لولا ما قدرته أن الهدية قسم من الصدقة وليس مرادا، بل هي قسيمها. وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه فتكون هدية وصدقة، وقد تجتمع الأنواع الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول. قال السبكي: والظاهر أن الاكرام ليس شرطا فالشرط هو النقل. قال الزركشي: وقد يقال احترز به عن الرشوة، ولا يقع اسم الهدية على العقار. فإن قيل قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال: لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه. أجيب بأنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالاهداء إلى فقراء الحرم وتعميمه في المنقول وغيره. وأما تعريفها بالمعنى الثاني، وهو المراد عند الاطلاق، فأركانها ثلاثة: عاقد وصيغة وموهوب. وقد أخذ المصنف في بيان بعض ذلك فقال: (وشرط الهبة) لتتحقق عاقدان كالبيع، وهذا هو الركن الأول، ولهما شروط، فيشترط في الواهب الملك وإطلاق التصرف في ماله، فلا تصح من ولي في مال محجورة ولا من مكاتب بغير إذن سيده. ويشترط في الموهوب له أن يكون فيه أهلية الملك لما يوهب له من تكليف وغيره، وسيأتي أن غير المكلف يقبل له وليه فلا تصح لحمل ولا لبهيمة ولا لرقيق نفسه، فإن أطلق الهبة له فهي لسيده. و (إيجاب وقبول لفظا) من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع، وهذا هو الركن الثاني. ومن صريح الايجاب: وهبتك ومنحتك وملكتك بلا ثمن، ومن صريح القبول: قبلت ورضيت. ويستثنى من اعتبارهما مسائل:
منها الهبة الضمنية كأن يقول لغيره: أعتق عبدك عني ففعل فيدخل في ملكه هبة ويعتق عليه ولا يحتاج للقبول. ومنها ما يخلعه السلطان على الامراء والقضاة وغيرهم لا يشترط فيه القبول كما بحثه بعض المتأخرين لجريان العادة بذلك.
ومنها ما لو وهبت المرأة نوبتها من ضرتها لم يحتج لقبولها على الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم والنشوز.
ومنها ما لو اشترى حليا لولده الصغير وزينه به فإنه يكون تمليكا له بخلاف ما لو اشتراه لزوجته فإنه لا يصير ملكا لها كما قاله القفال، والفرق بينهما أن له ولاية على الصغير بخلاف الزوجة، كذا ذكره السبكي وتبعه ابن الملقن. ويرد هذا قول الشيخين وغيرهما، فإن وهب للصغير ونحوه ولي غير الأب والجد قبل له الحاكم، وإن كان أبا أو جدا تولى الطرفين فلا بد من الايجاب والقبول. ومنها ما لو قال: اشتري لي بدراهمك لحما فاشتراه، وصححناه للسائل، فإن الدراهم تكون هبة لا قرضا.
ويقبل الهبة للصغير ونحوه ممن ليس أهلا للقبول الولي، فإن لم يقبل انعزل الوصي ومثله القيم وأثما لتركهما الاحظ، بخلاف الأب والجد لكمال شفقتهما. ويقبلها السفيه نفسه وكذا الرقيق لا سيده وإن وقعت له، أما الأخرس فيكفيه الإشارة المفهمة. وفي الذخائر أن انعقاد الهبة بالكناية مع النية وبالاستيجاب على الخلاف في البيع، أي فتصح. ومن الكناية
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429