يحسن ويتفرغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل، ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شئ من الثمار ويتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويزها. وأركانها خمسة: عاقد، ومورد العمل، والثمار، والعمل، والصيغة. ثم شرع في شرط الركن الأول فقال: (تصح من جائز التصرف) لنفسه لأنها معاملة على المال كالقراض.
تنبيه: لو قال: إنما تصح لكان أولى ليفيد الحصر. (ولصبي ومجنون) وسفيه (بالولاية) عليهم عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك.
تنبيه: لو عبر بالمحجور عليه لكان أخصر وأحصر لشموله ما قدرته. وهذا الشرط يعتبر أيضا في العامل، وفي معنى الولي ناظر الوقف، وكذا الإمام في بساتين بيت المال، وما لا يعرفه مالكه، وكذا بساتين الغائب كما قاله الزركشي، قال: ومقتضى كلام الماوردي أنه ليس لعامل القراض المساقاة فإن عمله في حق المالك لا في حق نفسه بخلاف المساقي.
ثم شرع في الركن الثاني، وهو مورد العمل، فقال: (وموردها) أصالة: أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه، (النخل) للخبر السابق، ولو ذكورا كما اقتضاه إطلاق المصنف وصرح به الخفاف، ويشترط فيه أن يكون مغروسا معينا مرئيا. (و) مثله (العنب) لأنه في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص.
تنبيه: إنما لم يقل الكرم بدل العنب لورود النهي عن تسميته به، قال (ص): لا تسموا العنب كرما، إنما الكرم الرجل المسلم رواه مسلم. قيل: سمي كرما من الكرم بفتح الراء لأن الخمر المتخذة منه تحمل عليه، فكره أن يسمى به وجعل المؤمن أحق بما يشتق من الكرم، يقال رجل كرم بإسكان الراء وفتحها: أي كريم. وثمرات النخل والأعناب أفضل الثمار وشجرهما أفضل الشجر بالاتفاق. واختلفوا في أيهما أفضل، والراجح أن النخل أفضل لورود:
أكرموا عماتكم النخل المطعمات في المحل، وإنها خلقت من طينة آدم. والنخل مقدم على العنب في جميع القرآن، ومر في زكاة الفطر أن التمر خير من الزبيب. وشبه (ص) النخلة بالمؤمن وأنها تشرب برأسها وإذا قطع ماتت وينتفع بأجزائها، وهي الشجرة الطيبة المذكورة في القرآن فكانت أفضل. وليس في الشجر شجر فيه ذكر وأنثى يحتاج الأنثى فيه إلى الذكر سواه، وشبه (ص) عين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمرة وهي أم الخبائث. (وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة) كالتين والتفاح للحاجة، واختاره المصنف في تصحيح التنبيه، والجديد المنع لأنها رخصة فنختص بموردها، ولأنه لا زكاة في ثمرها فأشبهت غير المثمرة، ولأنها تنمو من غير تعهد بخلاف النخل والعنب. وعلى المنع لو كانت هذه الأشجار بين النخل أو العنب فساقي عليها معه تبعا جاز، وإن كانت كثيرة كما هو مقتضى كلام الروضة، وإن قيدها الماوردي بالقليلة كما تجوز المزارعة تبعا للمساقاة.
تنبيه: احترز المصنف بالأشجار وهي ما لها ساق عما لا ساق له كالبطيخ وقصب السكر، وبالمثمرة عن غيرها كالتوت الذكر، وما لا يقصد ثمره كالصنوبر، فلا تجوز المساقاة عليه على القولين، وعلى الجديد لا تجوز على المقل على الأصح في الروضة، وإن قال في المهمات: الفتوى على الجواز. فإن قيل: قد قلتم غير الشجر هو الذي لا ساق له، وقد قال تعالى: * (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) *. أجيب بأنها كانت شجرة على خلاف العادة في القرع معجزة لسيدنا يونس صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وسلم، كما كانت تأتيه وعلة صباحا ومساء يشرب من لبنها حتى قوي. (ولا تصح المخابرة، وهي عمل) العامل في (الأرض) أي المعاملة عليها كما عبر به في المحرر، ولو عبر به لكان أولى لأن العمل من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به. (ببعض ما يخرج منها) كنصف (والبذر من العامل، ولا) تصح (المزارعة