من تعليله أن محله في منافع العين المعينة، أما التي في الذمة فيجوز إقراضها لجواز السلم فيها، ولا يجوز إقراض ماء القناة للجهل به. (وما لا يسلم فيه) كالجارية وولدها والجواهر ونحوها، (لا يجوز إقراضه في الأصح) لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله. والثاني: يجوز كالبيع. والخلاف مبني على أن الواجب في المتقوم المثل أو القيمة كما صرح به في المحرر، إن قلنا بالأول وهو الأظهر لم يجز، وإلا جاز، واستثني قرض ذلك جواز من الخبز وزنا لاجماع أهل الأمصار على فعله في الاعصار بلا إنكار، وإن صحح البغوي في التهذيب المنع، وقيل: يجوز عددا أيضا، ورجحه الخوارزمي في الكافي.
وصرح الماوردي بأنه لا يجوز إقراض العقار كما لا يجوز السلم فيه، وما نقله ابن الرفعة عن الأصحاب واقتضاه كلام الشيخين في الشفعة جواز إقراض جزء من دار محمول كما قاله السبكي على ما إذا لم يزد الجزء على النصف فإن له حينئذ مثلا فيجوز إقراضه كغيره. ولا يصح قرض الروبة لاختلافها بالحموضة، وهي بضم الراء: خميرة من اللبن الحامض تلقى على الحليب ليروب. قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض: أحدهما الجواز، ورجحه بعض المتأخرين وهو الظاهر لاطراد العادة به خلافا لما جزم به في الأنوار من المنع. قال السبكي: والعبرة بالوزن كالخبز.
ولا يشترط في قرض الربوي القبض في المجلس وإلا لجاز في غيره شرط الاجل واللازم باطل. ويشترط العلم بقدر المقرض، فلو أقرضه كفا من دراهم مثلا لم يصح، نعم إن أقرضه على أن يستبين قدره ويرد بمثله فإنه يصح كما في الأنوار.
ويجوز إقراض الموزون مكيلا وعكسه إن لم يتجاف المكيال كالسلم. (ويرد) في القرض (المثل في المثلي) لأنه أقرب إلى حقه، ولو في نقد بطل التعامل به. (و) يرد (في المتقوم المثل صورة) لأنه (ص) اقترض بكرا ورد رباعيا وقال:
إن خياركم أحسنكم قضاء رواه مسلم، ولأنه لو وجبت قيمته لافتقر إلى العلم بها. وينبغي كما قال ابن النقيب اعتبار ما فيه من المعاني كحرفة الرقيق وفراهة الدابة، فإن لم يتأت اعتبر مع الصورة مراعاة القيمة. (وقيل القيمة) كما لو أتلف متقوما، وعليه فالمعتبر قيمته يوم القبض إن قلنا يملك بالقبض، وبالأكثر من وقت القبض إلى التصرف إن قلنا يملك بالتصرف. والقول في الصفة أو القيمة عند الاختلاف فيهما قول المستقرض بيمينه لأنه غارم وأداء القرض في الصفة والزمان والمكان كالمسلم فيه، ومعلوم أنه لا يكون إلا حالا. (ولو ظفر) المقرض (به) أي المقترض، (في غير محل الاقراض وللنقل) من محله إلى غيره (مؤنة طالبه بقيمة بلد الاقراض) لأنه محل التملك يوم المطالبة، ولأنه وقت استحقاقها. وإنما جاز ذلك لجواز الاعتياض عنه بخلاف نظيره في السلم كما مر، فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل مؤنة حمله لما فيه من الكلفة، وأنه يطالبه بحمل ما لا مؤنة لحمله، وهو كذلك، فالمانع من طلب المثل عند الشيخين وكثير مؤنة الحمل، وعند جماعة منهم ابن الصباغ كون قيمة بلد المطالبة أكثر من قيمة بلد الاقراض. ولا خلاف في الحقيقة كما قال شيخي بين كلام الشيخين وغيرهما، لأن من نظر إلى المؤنة ينظر إلى القيمة بطريق الأولى، لأن المدار حصول الضرر، وهو موجود في الحالين. وينقطع بأخذ القيمة حق المقرض لأنها للفيصولة لا للحيلولة، فلو اجتمعا ببلد الاقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض استردادها. (ولا يجوز) الاقراض في النقد وغيره، (بشرط) جر نفع للمقرض كشرط (رد صحيح عن مكسر، أو) رد (زيادة) أو رد جيد عن ردئ، ويفسد بذلك العقد على الصحيح لحديث: كل قرض يجر منفعة فهو ربا وهو إن كان ضعيفا، فقد روى البيهقي معناه عن جمع من الصحابة. والمعنى فيه أن موضوع العقد الارفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته. (ولو رد هكذا) أي زائدا في القدر أو الصفة، (بلا شرط فحسن) بل مستحب للحديث السابق: إن خياركم أحسنكم قضاء، ولا يكره للمقرض أخذه ولا أخذ هدية المستقرض بغير شرط، قال الماوردي: والتنزه عنه أولى قبل رد البدل. وأما ما رواه