إن طائفة من أصحابنا ذكروا لفظ الادخار وآخرون أعرضوا عنه ولا شك أنه غير معتبر بحالة التماثل في جميع الربويات ألا ترى أن اللبن لا يدخر ويباع بعضه ببعض فمن أعرض عنه فذاك ومن أطلقه أراد اعتياده في الحبوب والفواكه لا في جميع الربويات (قلت) وقد تقدمه الإمام إلى ذلك فقال إن بعض أصحابنا أجرى لفظ الادخار في ادراج الكلام وهو غير معتمد فان اللبن يباع ببعض وأراد الإمام بذلك تقوية جواز بيع الرطب الذي لا يدخر يابسه بعضه ببعض والصحيح أن ذلك لا يجوز فالغزالي محتاج إلى ذكره ليحترز به عما لا يدخر يابسه وهو هذا القسم الذي فرغنا من شرحه فإنه لا كمال له وان جف على أحد الوجهين وهو إنما تكلم في الفاكهة فلا يشمل جميع الربويات أما إذا تكلم في حالة الكمال على الاطلاق فلا يستقيم أن يجعل ذلك ضابطا وضبط حالة الكمال على الاطلاق عسير وقد نبه الرافعي رحمه الله على عسرها فإنه لما شرح ذلك المكان قال فإذا تأملت ما في هذا الطرف عرفت أن النظر في حالة الكمال راجع إلى أمرين في الأكثر (أحدهما) كون الشئ بحيث يتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه (والثاني) كونه على هيئة الادخار لكنهما لا يعتبران جميعا فان اللبن ليس بمدخر والسمن ليس بمتهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن وكل واحد من المعنيين غير مكتفي به أيضا فان الثمار التي لا تدخر تتهيأ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه والدقيق مدخر وليسا على حالة الكمال ولا تساعدني عبارة ضابطة كما أحب في تفسير الكمال فان ظفرت بها ألحقتها بهذا الموضع وبالله التوفيق هذا كلام الرافعي رضي الله عنه ولك أن تقول إنا إذا جعلنا المعتبر التهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة منه لا يرد السمن وقول الرافعي انه ليس بمتهئ لأكثر الانتفاعات المطلوبة من اللبن صحيح لكن ذلك غير معتبر فان السمن عين أخرى غير اللبن كان اللبن مشتملا عليها فهو كالشيرج من السمسم وليس كالدقيق مع القمح ولا كالرطب مع التمر فان كلا منهما هو الآخر وإنما تغيرت حالته فالرطب صار إلى يبس وهو حالة تهيئه لأكثر الانتفاعات المقصودة منه والقمح صار إلى تفرق فخرج عن تلك الحال وليس السمن هو اللبن حتى تعتبر فيه منافع اللبن بل تعتبر فيه الانتفاعات المقصودة
(٤٤٤)