مصلحة المجتمع، قيامهم باسداء النصائح اللازمة في الأوقات المناسبة إلى المتكبرين والمغرورين...
حيث أنهم بنصائحهم الثمينة ينزلونهم من صهوة غرورهم ولو لبضع ساعات. وهناك شواهد تاريخية كثيرة على ما نقول.
لقد كان (المنصور الدوانيقي) من الخلفاء المتجبرين في السلسلة العباسية. لقد جعلت ذبابة يوما وجهه مسرحا لنشاطها وتنقلها، فقد أخذت تطير من شفته إلى عينيه، ومن عينيه إلى أنفه، ومن أنفقه إلى جبهته حتى ضاق بها ذرعا وتألم كثيرا. فقال لخدمه: انظروا من ينتظرنا بالباب، فقالوا له: مقاتل بن سلمان.
كان مقاتل - هذا - من كبار المحدثين والمفسرين في ذلك العصر فأمر المنصور بالسماح له في الدخول. وما أن دخل حتى وجه له المنصور السؤال التالي:
«هل تعلم لماذا خلق الله الذباب؟!
قال: نعم. ليذل الجبابرة!
... فسكت المنصور» (1) من هذا يظهر أن كلام مقاتل أثر فيه، فقد وجده مطابقا للحقيقة، ومنسجما مع الحالة السابقة التي كان عليها.
ونموذج اخر نجده في قصة المهلب بن أبي صفرة والي عبد الملك بن مروان على خرسان.
فقد كان في بعض الأيام مرتديا ثوبا من خز، ويسير في الطرقات بكبرياء وتبختر، فقابله رجل من عامة الناس وقال له: يا عبد الله، إن هذا المشية مبغوضة من قبل الله ورسوله.
فقال له المهلب: أما تعرفني؟
قال: بلى أعرفك... أولك نطفة مذرة، وآخرتك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل عذرة.
فمضى المهلب وترك مسيته تلك، دون أن يتعرض للرجل بسوء (2).