أما واجبه تجاه الناس - فقد كان عبارة عن استشارتهم في الأمور الاجتماعية، ورسم الخطط العسكرية، وغير ذلك من الأمور التي لم يرد بشأنها نص... وعن طريق التشاور وتبادل الآراء يعين للمسلمين طرق انتصارهم وتقدمهم. إن الاعتماد على الناس، والفرار من عبء المسؤولية استنادا إلى جهود الآخرين مذموم في الإسلام. أما احترام شخصية الأفراد ومعاشرتهم بالجميل، واستشارة العقلاء وذوي الرأي منهم فهو محبذ ومرغوب فيه.
وأما واجبه تجاه نفسه فهو عبارة عن عزمه وتصميمه في الأمور وقيامه بأدائها بنفسه.
يجب عليه أن يكون صلبا أمام الحوادث، لا تزعزعه المشاكل المختلفة، بل يقابلها بإرادة حديدية وثبات لا يغلب عليه.
وأما واجبه تجاه الله - فهو أن يتوكل عليه بعد استشارته المسلمين، والوقوف على رأي قاطع... يجب عليه أن يستمد العون منه عز وجل، ويعزز مكانته بالاستناد إلى قدرته اللامتناهية.
إن تبادل الآراء والتشاور مع الناس لتنظيم شؤون العمل، وكذلك الاعتماد على النفس ، والعزم والتصميم في تنفيذ خطة العمل عاملان كبيران لنجاح البشرية وتقدمها، وقد تكفل صدر الآية الكريمة ببيان ذلك وان العلم الحديث يهتم بهذين الأمرين اهتماما بالغا أيضا. لكن الطاقة التي لا تقبل الاندحار، والشعلة التي لا تنطفئ، والثروة التي تنبع منها جميع الطاقات الروحية ويستند إليها الاستقرار والتطامن إنما هي النقطة التي تكفل ختام الآية ببيانها، وهو الإتكال على الله... إن الإتكال على الله أعظم من الاعتماد على النفس بكثير.
إن أعظم المراتب في المدارس التربوية العالمية هي تمنية الاعتماد على النفس وحسب.
أما المدرسة الإسلامية في التربية فإنها ترقى إلى ما هو أهم من ذلك، حيث تغذي النفوس من نمير الإيمان بالله والاعتماد عليه، وهذه هي سمة فريدة يمتاز بها المنهج القرآني، دون غيره.